للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط العارية]

ويشترط أن تكون المنفعة مباحة، فإذا كانت المنفعة محرمة فلا يجوز إعارته؛ لأنه إذا أعاره صار شريكاً له، فلا يجوز أن تعيره طبلاً ليغني به ولا عوداً ولا شطرنج، وكذلك آلات الغناء، وأشرطة الغناء الماجن، وأفلام الفيديو التي فيها صور محرمة، فإذا طلب أن تعيره فأعرته فإنك تكون آثماً حيث إنك تساعده على هذا المنكر.

وهكذا إذا عرفت أنه يستعير منك لأجل معصية كما إذا استعار منك سيفاً ليقتل به مسلماً أو ليظلم به، أو رصاص بندقية ليصيد بها وهو محرم، أو ليرمي بها مسلماً بريئاً، أو استعار قدراً ليصنع فيه خمراً وأنت تعرف ذلك منه؛ أو استعار شطرنج للعب، وكذلك لو استعار موسىً ليحلق به لحيته، أو ليحلق به اللحى، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مساعدة له على المنكر، والله تعالى يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] .

وهكذا فالمحرم اقتناؤه تحرم إعارته، فكتب الضلال محرم اقتناؤها ومحرم إعارتها؛ لأنه يضل بها غيره، والمجلات الخليعة محرم اقتناؤها، ومحرم إعارتها؛ لأنها تضل خلقاً كثيراً.

تفطن لقوله هاهنا: (ينتفع به مع بقاء عينه نفعاً مباحاً) يعني: تطبخ في القدر، والقدر لا يتغير أو تشرب بالكأس، أو تجلس على الكنب أو تفرش الزلية أو تلبس الثوب يوماً أو نحوه، أو تأكل في القدر أو تستضيء بالسراج، فعينه باقية وفيه منفعة، وهذه المنفعة مباحة.

وقوله: (مع بقاء عينه) يخرج ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه كالشمعة، فإنها تفنى بالاستعمال، وكالكيس من الطعام فإنه لا يعار؛ لأنه يفنى بالاستعمال، وإنما يسمى قرضاً، فإذا أقرضته طعاماً ليأكله فإنه يرد بدله كما تقدم في باب القرض.

ثم استثنوا البضع، فلا يجوز أن تعير جاريتك المملوكة لمن يطؤها؛ لأن الوطء لا يباح إلا بملك يمين أو بنكاح صحيح، وهذا ليس بموجود؛ لأنها ملك غيره، أما إعارة على الخدمة.

يعني: إذا كان عندك خادمة أعرتها لتخدمهم، ثم يردونها فلا بأس بذلك، وكذلك العبد إذا أعرته لمن يستخدمه فلا مانع من ذلك كأن يكون عندهم لقيادة سيارة أو تغسيل سيارة أو سقاية حديقة أو إصلاح قهوة، أو تنظيف أوانٍ، أو تغسيل ثياب ونحوه.

ويستثنى إذا كان كافراً، فلا يجوز أن تعيره عبداً مسلماً، لأنه يهينه ولأنه يستغله وهو كافر، ولأن الكافر لا ولاية له على المسلم، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:١٤١] ، أي: سيطرة وقوة وتسلطاً، فليس للكافر سلطة على المسلم، ولهذا إذا أسلم العبد وهو عند كافر، كلف الكافر بإعتاقه أو ببيعه أو بهبته.

أي: بإخراجه من ملكه حتى لا يبقى ذليلاً عند كافر.

قوله: (وصيداً ونحوه للمحرم) لا يجوز أن تعيره؛ وذلك لأن الصيد محرم على المحرم، قال تعالى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:٩٥] ، وقال: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:٩٦] ، فلذلك لا يجوز، وهكذا لا يجوز أن تعيره شيئاً يبطل إحرامه، فلا تعيره قميصاً ليلبسه وأنت تعرف أنه محرم، وكذلك إذا طلب منك موسىً ليحلق به وأنت تعرف أنه محرم، فلا تعره هذا الموسى؛ لأنه محرم عليه الحلق، وكذلك مقراضاً يقلم به أظفاره وهو محرم.

يقول: (وأمة وأمرد لغير مأمون) أي: لا يجوز إعارة الأمة لإنسان غير مأمون عليها، لا يؤمن أن يطأها، وكذلك الأمرد -يعني: الشاب- إذا كان شاباً مملوكاً وهو جميل، يخشى أن يفعل به فاحشة اللواط فلا يجوز أن يعار، وأما إذا كان مأموناً.

يعني: يقصد بذلك استخدامه فلا مانع.