للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضمان العارية]

وقوله: (وتضمن مطلقاً) أي: العارية مضمونة إذا تلفت، ودليل ذلك: حديث صفوان بن أمية لما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزو هوازن في حنين وطلب منه عارية دروع ثلاثين درعاً، فقال -قبل أن يسلم-: أغصباً يا محمد؟! فقال: (بل عارية مضمونة) ، أي: نستعيرها ليلبسها المقاتلون، وتضمن إذا تلفت، ونردها إذا بقيت، فاستعار منه ثلاثين درعاً.

وهذا دليل على جواز الإستعارة من غير المسلم إذا كان لحاجة.

ولا شك أن الذي يعيرها للمجاهدين يكون له أجر، فالمجاهد إذا استعار منك سيفاً يقاتل به الكفار أو رمحاً أو قوساً أو درعاً أو مجناً يلبسه على رأسه أو حذاءً؛ فإن المعير يكون شريكاً له في الأجر، وكذلك أيضاً الأسلحة الجديدة يصح إعارتها للمجاهدين، ويكون شريكاً له في الأجر، كالدبابات والسيارات والقاذفات والبنادق والرشاشات وما أشبهها، ويكون للمستعير أجر القتال بها، وللمعير أجر في ذلك.

قوله: (وإذا تلفت فإنه يضمنها بمثل مثليٍّ، وقيمة غيره يوم تلف) : فالمثلي هو الذي يوجد له مثل، فيقال: هذا الكأس له أمثاله، فإذا استعاره فانكسر، أعطاه كأساً مثله؛ لأنه موجود فيضمن بمثله، أو استعار كتاباً فاحترق، وتوجد كتب مثله، فإنه يشتري له كتاباً ويعطيه إياه، وهذا القدر وهذا الصحن، لها أمثال فيضمن المثلي بمثله.

وأما غير المثلي: فهو الذي تختلف أجناسه، فمثلاً: الجلود كالقربة والسقاء والمزادة، فهذه تختلف عادة، وقل أن يوجد مثلها، أو أن يجد قربة مساوية لهذه أو مزادة أو ظرفاً مساوياً لهذا الظرف، وكذلك الأشياء التي كانت تصنع باليد كقدور النحاس والأباريق القديمة، فهذه يقل أن يوجد مثلها مساوياً فإنها تضمن بقيمتها، أي: تقوَّم يوم التلف، فيقال: كم تساوي تلك القربة؟ كم يساوي ذلك القدر الذي سلم إلى يد فلان؟ كم يساوي ذلك القميص الذي لا يوجد له نظير في هذه الأزمنة؟ فإذا كان يساوي عشرة يوم التلف، فأعطه العشرة.

قوله: (لا إن تلف باستعمال بمعروف كخمول منشفة) ، إذا تلف باستعمال فإنه لا يضمن، فإذا أذن لك أن تلبس الثوب، ثم إن الثوب تخرق من آثار اللبس العادي من غير تعد فلا يضمن.

وكذلك المنشفة، فالمنشفة التي تنشف بها الأيدي بعد الغسل أو بعد الوضوء، فإذا ذهب خملها من آثار المسح فلا تضمن.

والخمل: أهدابها التي فيها، فإذا ذهبت الخمل، فإنها لا تضمن؛ لأنه استعمال مأذون فيه، وقد أذن لك أن تتمسح بها مدة شهر أو نحوه، وكذلك لو اسود القدر من الطبخ فيه، فلا يضمن، وهكذا لو تثلم وجه المسحاة من آثار الحفر، أو تشقق الزنبيل من آثار الحمل فيه.

فالحاصل: أنه إذا تلف باستعمال بمعروف فلا ضمان، وأما إذا استعملها استعمالاً غير معروف فإنه يضمن.

كيف يكون الاستعمال غير معروف؟ إذا استعملها استعمالاً زائداً عما هي عليه، لو أنه أخذ يضرب بالفأس حجارة -مثلاً- ويكسرها به فتثلمت الفأس وتكسرت، أو أخذالمسحاة يحفر بها أرضاً حجرية وكان من آثار ذلك أن تكسر وجهها، فإنه يضمن والحال هذه؛ لأن هذا ليس هو المعروف، والمعروف: أنه يقطع بالفأس الخشب، ويحفر بالمسحاة ونحوها الأرض السهلة.

وكذلك المنجل الذي يسمى المحش، يقطع به الحشيش فإذا قطع به الحجارة فتثلم فإنه يعتبر قد تعدى فيضمن.

يقول: (ولا إن كانت وقفاً ككتب علم) أي: فهذه لا تضمن؛ لأنه مأذون في استعمالها، يوجد كتب في المكتبات مكتوب عليها: (وقف) يستعيرها الإنسان ليقرأ فيها، فلو قدر أنها تلفت عنده فإنها لا تضمن؛ وذلك لأنه مأذون في استعمالها فتلفها عنده كتلفها في المكتبة إذا استعملت، لكن لا يجوز أن يستعملها استعمالاً غير مأذون به، كأن يستعملها غير رافق بها، فيلقيها على الأرض أو يرمي بها رمياً سيئاً أو يعرضها للشمس أو للأطفال، ففي هذه الحال يضمن.

قوله: (وعليه مئونة ردها) : إذا كانت تحتاج إلى مئونة فإنها على المستعير، فلو احتاج إلى حمّال، كما لو استعار مكيفاً ثقيلاً فرده على المستعير فأجرة الذي يحمله من بيت المعير إلى بيت المستعير، ثم من بيت المستعير إلى بيت المعير، على المستعير، وهي مئونة ردها، وكذا كل شيء له مئونة إذا كان ثقيلاً، كما لو استعار فرشاً ثقيلاً ليفرشه في حفل أو نحوه، أو استعار خياماً ليستظل بها في مناسبة ونحوها، ثم انتهى منها فأجرة الرد على المستعير؛ لأنه أخذها لمنفعته.

قوله: (وإن أركب منقطعاً لله لم يضمن) : صورة ذلك: إذا رأيت إنساناً منقطعاً في برية وتصدقت عليه وأركبته بعيراً أو فرساً أو حماراً أو بغلاً أو وثقت به وأركبته في سيارة، وسلمت مفاتيحها له، ثم إنها خربت أو تلفت الدابة، وهو لم يفرط فإنه لا يضمن؛ وذلك لأنك محسن وتطلب الأجر، فليس لك أن تكدر أجرك وتبطله بتغريمه، فإنك محسن إليه.