للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كون الوقف في عين معلومة]

ذكر المصنف رحمه الله أن شروط الوقف خمسة فقال: (كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها) أي: أن الوقف لابد أن يكون في عين معينة معلومة، أياً كانت تلك العين إذا كان فيها منفعة، حتى الحيوانات، فإذا وقف هذه الفرس على المجاهدين فإنها تكون معلومة، أما إذا قال: فرساً من خيلي فإنه لا يصح حتى يعينها بالفرس الفلانية، أو قال مثلاً: هذا الجمل وقفته على من يجاهد عليه أو من يحج عليه، أصبح معيناً، أما إذا قال: جملاً من جمالي أو بعيراً من إبلي، فلا يصح حتى يعينه، ومثله في هذه الأزمنة المراكب الجديدة، فإنه يجوز وقفها، فيجوز أن يقول: وقفت هذه السيارة على من يحج ويعتمر عليها، أو وقفتها على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتجولون عليها، أو وقفتها على الدعاة الذين يدعون إلى الله يسافرون عليها، فأخرجها من ملكه وجعلها وقفاً.

أما إذا قال: أوقفت سيارةً من سياراتي، وعنده سيارات، فلا يصح؛ لأنه لابد أن تكون معينة حتى تخرج من ملكه؛ لأن الأصل أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف حتى ولو تعطل الانتفاع به، فلو وقف فرشاً على المسجد ثم هُدم المسجد، فلا يجوز له أن يقول: ردوا عليّ فرشي، لأنا نقول: قد أخرجته من ملكك فينقل إلى مسجد آخر، ولا يحل لك أن تستعيدها، أو قال: ردوا عليّ مكيفاتي أو مراوحي التي سبلتها في هذا المسجد، لم يحل له أن يرجع فيها.

فالحاصل أنه لابد أن يكون الوقف بعين معينة معلومة حتى بالإشارة مثلاً، كأن يقول: وقفت هذا المشلح على كل من يتزوج ليلة زواجه حتى أُريحه من شرائه، أو يقف ثوب المرأة الجميل الذي تدخل به على زوجها ليلة الزفاف حتى لا يكلف وليها أن يشتري لها ثوباً، فيوجد في بعض الأماكن لمساعدة المتزوجين مشالح موقوفة على من يريد أن يتزوج، فيأخذه يوم زواجه ثم يرده بعد يوم أو يومين؛ لأنه ليس من أهل لباسه، وكذلك يوجد ثياب للعروس لتتجمل بها ليلة زفافها ثم تردها، فهذه موقوفة يقصد الذين وقفوها الأجر، كذلك الحلي يجوز وقفها، فيوقف ما يسمى بالبنادق والأسورة، وكذا الخواتيم تلبسها العروس يوم زفافها أو القلادة، ثم بعد ذلك يردها المستعير لها؛ لأنه قد يقول: إني لا أقدر على شراء هذا الحلي الثقيل، فهناك من يسبلها ويجعلها وقفاً حتى ينتفع بها في ليلة زفافه أو يوم الاحتفال ثم يردها، وتكون وقفاً على العاجزين عن اقتناء أمثالها.

وقوله: (يصح بيعها غير مصحف) ، فالشيء الذي لا يصح بيعه لا يصح وقفه إلا المصحف، فإنه يصح وقفه مع أنه لا يصح بيعه عندهم، وإن كان الصحيح جواز بيعه، فأما الشيء الذي لا يصح بيعه فلا يصح وقفه، فلا يصح أن يوقف كلب صيد، فيقول: وقفت كلب صيد، أو كلب حراسة للحرث، أو الحراسة للغنم؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يصح بيعه.

ويمثلون أيضاً بجلد الميتة ولو بعد الدبغ، إذ ترجح عندهم أنه لا يباع ولا ينتفع به إلا في اليابسات، والقول الثاني: أنه يصح بيعه ويصح الانتفاع به في اليابس وفي الرطب وما أشبه ذلك، فإذا دبغ جلد الميتة وجعله سقاءً أو قربةً يُبرد فيها الماء صح وقفه؛ لأنه يطهر بالدباغ، فيصح وقف القرب التي يُبرد فيها الماء أو يُنقل فيها الماء، فينتفع بها من يحتاج إليها ولو كانت من جلود الميتة.

أما جلود ما لا يؤكل لحمه كجلد حمار أو جلد كلب فهذا لا يصح بيعه، ولا يطهر بالدباغ على الصحيح، فلا يصح وقف مثله فراشاً، لأنه قد ورد النهي عن افتراش جلود النمار؛ لأنها سباع، والسباع محرمة الأكل، فلا يصح بيع جلودها، ولا يصح وقفها.

وتقدم أنه لا يصح بيع الحشرات، فلا يصح وقفها إلا إذا كان لها قيمة مثل النحل، فإنه يصح بيعه ولو كان من الحشرات؛ وذلك لأنه يُنتفع به.

والشيء الذي لا ينتفع به أو كان نفعه محرماً لا يصح وقفه، وذلك مثل آلات الملاهي، فإن نفعها محرم، فلو قال: أسبل هذه الطبول، وأجعلها وقفاً على الذين يلعبون في أيام الأعياد أو في أيام الأفراح، فإنه لا يجوز؛ وذلك لأن الانتفاع بها محرم، وكذلك جميع آلات الملاهي كالعود والطنبور والرباب، وكذلك كتب الإلحاد وكتب الضلال والمجلات الخليعة، فلو احتسب إنسان وقال: أنا أشتري هذه المجلات وأسبلها في هذه المكتبة، مع أنها مليئة بالضلال وبالصور الهابطة ونحو ذلك فلا يصح وقفه، أو قال: أُسبل هذه الأفلام التي فيها هذه الصور، وأجعلها في هذا المكان وقفاً يتفرج عليها من يريدون أن يتفرجوا، أو هذه الأشرطة الغنائية أسبلها، هل له أجر أم عليه وزر؟ لاشك أن عليه وزراً، فكل شيء لا يصح بيعه لصفة فيه فإنه لا يجوز وقفه؛ لأن ذلك يعتبر إعانة على المحرم، وهكذا جميع ما يُستعان به على المحرم.