للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع]

قال المصنف رحمه الله: (ويجب العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع) : أي: يجب العمل بشرط الواقف، فإذا شرط فيه شروطاً موافقةً للشرع وجب العمل بها؛ لأنه هو المالك، أما إذا لم توافق الشرع فإنه لا يجوز العمل بها، فمثلاً لو قال: هذا المسجد وقفٌ على الصوفية لا يصلي فيه إلا المتصوفة، فغلاة الصوفية مشركون، فإذا استولينا عليه قلنا: هذا شرط باطل لا يُعمل به، وكذلك لو قال: غلة هذا العقار وقف على عمارة هذا القبر أو هذا المشهد، أو على خدمة الذين يعبدونه، ويعكفون عنده، فهذا شرط باطل لا يُعمل به، وكذلك لو قال: غلة هذا البيت يُشترى بها -مثلاً- آلات لهو، وطرب، وتسبل ويلعب بها في الحفلات وفي المهرجانات ونحوها، فلا يُعمل بهذا الشرط، ويعتبر شرطاً باطلاً.

وإذا وافق الشرط الشرع عُمل به، فإذا عين فيه إماماً فقال: وقفت هذا المسجد وبنيته بشرط ألا يصلي به إلا فلان مدة حياته عُمل بشرطه، وإذا بنى مدرسة وسبلها، وقال: بشرط أن يدرّس فيها المذهب الحنبلي أو المذهب الشافعي، فإنه يُعمل بشرطه، أو سبل داراً وقال: تُصرف أجرتها في شراء كتب التوحيد، أو كتب العقائد، أو يشترى بها كتب الفقه الحنفي أو الشافعي عمل بشرطه؛ لأن له مقصداً في ذلك؛ ولأن هذا شرط لا يخالف الشرع.

وكذلك لو شرط أن يتولاه فلان، ثم فلان، فإنهم يتولونه على ترتيبه الذي رتبه لهم.

وكذلك إذا شرط أن ينفق على جهة معينة وقال: ينفقه فلان على القبيلة الفلانية، وغلّة هذا الوقف أو ثمرة هذا النخل تُنفق على قبيلة كذا أو للأسرة الفلانية، أو قال: أجرة هذه الدار لأولاد فلان ولم يحدد ولم يرتب، فإنه يستوي فيهم الذكر والأنثى، والغني والفقير، أي: يقسم بينهم على رءوسهم.

أما إذا حدد وقال: يعطى الذكر سهمين، أو يُفضل الغني، أو القوي، أو العالم، أو المجاهد، أو الكريم، أو السخي، أو تختص بالفقراء، فخصص جهة، أو قال: تختص بالعزاب، أو لمساعدة المتزوجين؛ ففي هذه الحال يعمل بشرطه؛ لأنه شرط له فيه مقصد؛ ولأنه قد يكون قصده بذلك الأجر.

وإذا رئي مثلاً أنه خالف ما هو الأفضل والأولى، فالأولى أن يُقترح عليه ما هو أصلح وما هو أولى، فيقال: أنت ذكرت أنه يسوى بين الغني والفقير، وهذا ليس فيه أجر، فإن الغني عنده ما يكفيه ويسد حاجته ولو كان من أولادك، فالأولى إذا كان وقفاً أن تصرفه عن الغني، وأن تجعله للفقراء أو ما أشبه ذلك.

واشتهر عند بعض الفقهاء قاعدة وهي قولهم: شروط الواقف كشروط الشارع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن شروط الشارع جاءت عن المشرع الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مقدمة ويلزم العمل بها، وأما الواقف فهو بشر، فقد يشرط شرطاً يخالف مقتضى الشرع فلا يجوز العمل به، وقد ذكرنا لذلك أمثلة منها: إذا شرط أن يتولى وقفه فاسق فإنه لا يعمل به، ومن ذلك أن يعين في المسجد إماماً صوفياً أو قبورياً، وكذا إذا شرط أن يدفن في مسجده، كما إذا قال: إذا مت فادفنوني في مسجدي، فإن هذه شروط تخالف مقتضى الشرع فلا يعمل بها.

وهكذا الشروط التي تكون على باطل أو على محرم؛ فلو شرط أن غلة هذا الوقف تعمر بها الكنائس، أو تُرفع بها القباب على القبور، أو يُطبع بها الإنجيل أو التوراة، أو كتب الإلحاد، فمثل هذا لا يصح العمل بشرطه؛ وذلك لأنه يخالف مقتضى الشرع.

فلابد أن تكون شروط الواقف موافقة للشرع، فإذا شرط أن يتولى إمامة المسجد فلان وكان كفئاً، أو يؤذن فيه فلان وكان أهلاً لأن يتولى المأذنة، أو شرط أن وقفه ينظر فيه، ويتولى تأجيره وإصلاحه أحد أولاده، وكانوا مأمونين وموثوقين، فإن هذا شرط يوافق مقتضى الشرع فيعمل به.

وكذلك مصرف الوقف: فإذا شرط أن يُصرف في المساكين، أو يصرف على المساجد، أو على القناطر، أو على المدارس الخيرية، كمدارس تحفيظ القرآن، أو على المجاهدين، أو على طبع الرسائل والكتيبات الإسلامية والأشرطة الدينية، فإن هذه شروط فيها مصلحة.