للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين العطية والهبة والصدقة]

في هذا الباب جمعوا الهبة والعطية، وفي آخره ذكروا الوصية، والوصية تأتينا في الفصل الذي بعده إن شاء الله.

العطية معناها قريبٌ من الهبة ومن الهدية، ولكنها أعم، فيدخل في ذلك عطية الوالد لأولاده أو من دونه أو من فوقه، وكأن الهبة والهدية أخص، فإذا كان عندنا مثلاً أمير من الأمراء أو ثري أو رئيس قبيلة، وعندنا إنسان فقير مسكين، فالأمير أو الرئيس إذا سلّم هذا الفقير كسوة أو كيساً، فهل تسمى هذه هدية؟ هذه تسمى صدقة منه عليه؛ لأنه لا يُريد الأجر منه، وإنما يريد الأجر من الله، أما الفقير إذا جاء مثلاً بطيب طيب الرائحة وأعطاه للأمير، فهذه تسمى هدية وهبة، فالعطية من النازل للعالي تسمى هدية، ومن العالي لمن تحته تسمى صدقة، وأما من إنسان لمن هو مثله فتسمى عطية، وقد تسمى أيضاً هدية.

والغالب أن الفقير إذا أهدى للأمير فإنه والحال هذه يريد أكثر منها، فهو يقول: أنا أهديت للأمير هذه الفاكهة العجيبة، أو هذه الأطياب وما أشبهها؛ لأنني أريد أن يثيبني ويعطيني أكثر مما أعطيته، والعادة أن الأمير الذي أهدي له يثيب هذا الفقير، فيعطيه ثمنها مرتين أو أكثر أياً كانت تلك الهدية ولو كانت متوافرة، ولو أهدى إليه مثلاً فاكهة كعنب أو رطب مع أنها قد تكون موجودة عند الأمير أكثر، ولكنه أراد بذلك الثواب.

فإذا شُرط فيها الثواب فإنها تسمى هبة ثواب، وفي هذه الحال يكون لها حكم البيع، فيصح أن يرجع فيها فيقول: أنا أعطيتك أو وهبتك هذا الكيس ولم تهدني ولم تهبني فأنا أحق به، وقد ورد في ذلك حديث: (الرجل أحق بعطيته ما لم يثب عليها) أي: ما دامت موجودة وقد عُرف بأنه قصد أجر الثواب والعوض، فله في هذه الحال أن يرجع فيها؛ لأنها شبه بيع، والبيع لابد له من عوض، ولذلك قالوا: تصح الشفعة فيها إذا حدد الثمن، فإذا كان لك قطعة أرض إلى جنب أحد جيرانك، فأهديتها إلى أمير مثلاً وقلت: أريد ثوابها مثلاً مائة ألف، ففي هذه الحال للجار الذي إلى جانبك أن يقول: أنا لي شفعة فيها، وأدفع مائة ألف فتكون الأرض كلها لي، فهبة الثواب بمنزلة البيع، وكذلك له أن يرجع فيها كما عرفنا؛ لأن الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها، أي: إذا كان قد شرط ثواباً ولم يحصل له.