للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الألفاظ التي يكون بها الإيجاب والقبول]

يشترط بعضهم أن يكون الإيجاب بأحد لفظتين: زوجتك، أو أنكحتك، ويقولون: إنها هي الألفاظ التي ذكرت في القرآن، فذكر في القرآن قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] ، وكذلك ذكر الأزواج: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب:٥٠] ، وذكر في القرآن النكاح: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:٣] ، وكذلك قوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:٣٢] ، وقوله: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] ، وقوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٥] ، فلذلك قالوا: ينطق الولي بأحد هاتين الكلمتين: (زوجتك موليتي) أو (أنكحتك موليتي) .

ولفظ التزويج اشتقاقه من العدد الشفع، فإن العدد قسمان: شفع ووتر، والشفع يقال له: زوج، وسمي النكاح زواجاً؛ لأن أحد الزوجين قبله كان فرداً ووتراً، فإذا انضم إليه الزوج الثاني أصبح زوجاً، يعني: أصبح بدل الوتر اثنين، ولأجل ذلك كلمة (الزوج) تطلق على الذكر والأنثى، كما تقول: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: التي صارت معه زوجاً، ويقال: النبي صلى الله عليه وسلم زوج عائشة، فكلمة زوج تصلح للرجل وللمرأة، فكل منهما يُسمى زوجاً، إلا أن أهل الفرائض احتاجوا إلى التمييز، فأدخلوا على المرأة تاء التأنيث، كما في قول الناظم: والثمن للزوجة والزوجات وهو لكل زوجة أو أكثرا وإلا فالأصل أنه موضوع لكل واحد من الزوجين، هذا سبب تسمية الزوج بهذا الاسم؛ لأنه بانضمامه إلى الآخر يكون زوجاً بدل ما كان وتراً وفرداً.

أما النكاح فالأصل فيه أنه الانضمام، تقول العرب: تناكحت الأشجار، يعني: انضم بعضها إلى بعض وتلاصقت، وذلك إذا امتدت أغصانها، ويقال: تناكح العودان على النار، يعني: انضم أحدهما إلى الآخر حتى صح الوقود بهما، وأما تسمية هذا الزواج نكاحاً؛ فلأن الزوج ينضم إلى الزوجة، والانضمام هو: التناكح، هذا هو الأصل من الانضمام.

وهل المراد بالنكاح العقد أو الوطء؟

الجواب

يطلق عليهما، وأغلب ما يطلق على العقد، فيقال: نكح فلان المرأة، يعني: عقد عليها، وذكر بعض أهل اللغة: أن العرب فرقت بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان، فالمراد عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو أمته، فالمراد وطؤها، وكل ما في القرآن من نكح فإنه للعقد، إلا قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] ، فإن النكاح هنا هو الوطء، وورد ذلك في السنة.

ذكر بعض العلماء في كتب الفقه: أنه لا يصح إلا بلفظ: (أنكحتك موليتي) أو (زوجتك موليتي) بأحد هاتين الكلمتين، وذهب آخرون إلى أنه يجوز بغيرهما مما هو معروف عند المتخاطبين، ورجح ذلك بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فإذا قال -مثلاً-: (ملكت ابنتي) فمعناه: أنك تملك الاستمتاع بها ما لا يملكه أبوها، فيكون هذا قائماً مقام زوجتك؛ لأنه حصل بها المقصود، وإذا قال: وهبتك ابنتي، حصل أيضاً المقصود، وهكذا إذا قال: أعطيتكها، حصل بذلك المقصود، وهذا القول هو الأقرب، وهو أنه يصح بكل لفظ يدل على المعنى، ويؤدي المراد، مثل: أنكحتك، وزوجتك، وملكّتك، ووهبتك، وأعطيتك ابنتي، وأملكت لك عليها، أو خليت بينك وبينها، أو خذ ابنتي حلالاً لك، أو أحللتها لك، أو ما أشبه ذلك.

وأما القبول فهو من الزوج، واشترطوا أن يقول: قبلت، أو رضيت، عبارتين فقط، أو قبلت هذا النكاح، يعني: يضيف كلمة (هذا النكاح) بعد (قبلت) ، أو يجمع بينهما فيقول: قبلت هذا النكاح ورضيته، أو تزوجتها، أو قبلتها.

وإذا قلنا: إنه يصح بما دل على المعنى، فيصح إذا قال الزوج: وافقت، أو أنا موافق، أو أخذتها، أو استوهبتها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الرضا.

يقول المصنف رحمه الله: (ومن جهلهما لم يلزمه تعلم) يعني: من جهل كلمة: (أنكحت) أو (زوجت) أو كلمة: (قبلت) أو (رضيت) ، وذلك إذا كان لا يعرف اللغة، أو لا يعرف معناها، فهل يلزمه أن يتعلمهما، ولا يصح إلا أن يقول: (قبلت) أو (رضيت) ؟ الجواب: لا يلزم، إنما يكفيه معناهما الخاص بكل لسان؛ وذلك لأن كل قوم وأهل كل لسان عندهم اصطلاحات يتعارفون عليها بلسانهم، ذكر لنا بعض الإخوان أنه جاء إلى بعض الأعراب الجهلة في بعض جهات المملكة، وأخذ يسأله، فذكر له أنه مفتيهم، وأنه الذي يعقد لهم، فقال له: كيف طريقتك في عقد النكاح لهم؟ لأنهم بوادٍ بعيدون عن القرى، وبعيدون عن الناس، فذكر له أنه يقول للولي قل: هاك خصلة بنتي على سنة الله وسنة رسوله، منامها حلال، ومقامها حلال، وادخل على الله من الملل والاستملال، وأنت وإياها تحت الله! ولا شك أن هذه من العبارات التي اصطلحوا عليها، وليس عندهم أحد يعقد لهم، فرضوا بأن يكون هذا الذي عندهم -وكأنه أعرفهم وأفهمهم- أن يتكلم بهذه الكلمات.

فيبقى أن الزوج لابد أن يقول: قد وافقت، أو قبلت، أو أخذتها، أو ما أشبه ذلك.

وهل يصح النكاح بالمعاطاة؟ الصحيح: أنه لا يصح، وإنما تصح المعاطاة في البيع، مثلاً: إذا كانت السلعة معروفاً ثمنها، الثوب معروف ثمنه، فأتيت مثلاً بعشرة ودفعتها للبائع، ودفع لك الثوب، ولم يتكلم واحد منكما بكلمة، صح البيع بالمعاطاة، ولكن لا يصح النكاح بالمعاطاة، فلا يصح أن تدفع له مثلاً المهر، ويدفع لك الزوجة بدون كلام، بل لا يصح إلا بهذا الكلام، ولا يصح أيضاً إلا بشروطه.