للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلاق البدعة وحكمه]

الطلاق نوعان: طلاق سنة، وطلاق بدعة.

ما صفة طلاق السنة؟ طلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة، وأن تكون في طهر لم يطأها فيه، بل طلقها في طهر لم يجامع فيه، هذا هو طلاق السنة إذا كانت قد دخل بها.

طلاق البدعة مثل: طلاق الثنتين، وطلاق الثلاث، فجمع الثلاث طلاق بدعة، واختلف هل يقع إذا طلقها ثلاثاً، كما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أنت طالق ثلاثاً، أو قال: أنت طالق مائةً أو نحو ذلك، والجمهور على أنه يقع؛ وذلك لأن هذا هو الذي اجتمع عليه الصحابة، والأئمة الأربعة على أن من جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد أنه يعد طلاقاً، وأنها لا تحل له إلا بعد زوج، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: لا يقع إلا واحدة إذا طلقها بالثلاث، فقال: أنت طالق بالثلاث، أو طالق وطالق وطالق، قال: إنما يقع طلقة واحدة، لماذا خالفت الجمهور؟ لماذا خالفت الأئمة الأربعة وأتباعهم؟ يقول: إني ابتليت بالمحلل، كثر في زمانه المحلل، لو طلق الرجل امرأته ثلاثاً استأجر من يحللها له، والمحلل ملعون كما في الحديث: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) ، ويقول: جاء في صحيح مسلم: (أن الطلاق الثلاث كانت تحسب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، وكذلك في عهد أبي بكر، وأن عمر هو الذي أجراها وجعلها ثلاثاً) ؛ فقال اجتهاداً منه: أنا أعمل بهذا الحديث، أعمل بما كان في العهد النبوي، هذا عذر الإمام ابن تيمية، وكان يفتي بذلك شيخنا ابن باز رحمه الله، فمن جمع الثلاث بقوله: طالق ثلاثاً أو طالق بالثلاث تكون واحدة، لما جاء في هذا الحديث.

والعلماء أجابوا عن حديث ابن عباس الذي فيه أن الثلاث واحدة بستة أجوبة تجدونها في كتب الشروح: كسبل السلام ونيل الأوطار وغيرها، ومنها: أنه كان منسوخاً ولم يتفطن لنسخه إلا عمر.

ومنها: أن الحديث مضطرب ولا يعمل به.

ومنها: أن ابن عباس خالف هذا الحديث وأفتى بأن الثلاث تكون ثلاثاً، ولو كانت بلفظ واحدة، إلى غير ذلك.

ثم منهم من يقول: إذا قال: طالق ثلاثاً، أو طالق بالثلاث بكلمة واحدة فهي واحدة، وإذا قال: طالق وطالق وطالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق فإنه يقع الثلاث، يعني: لم تقع إلا طلقة واحدة إذا قال: طالق بالثلاث أو طالق ثلاثاً، بخلاف ما إذا قال: طالق وطالق، أو طالق ثم طالق فتقع الثلاث.

ثم طلاقها وهي حائض طلاق بدعة، وطلاقها في طهر قد جامعها فيه طلاق بدعة، ولكن هل يقع؟ في ذلك أيضاً خلاف؛ فـ شيخ الإسلام وتبعه الشيخ ابن باز على أنه لا يقع إذا طلق وهي حائض أو في طهر قد جامع فيه، والجمهور على أنه يقع ولو كان طلاق بدعة، هذا قول الجمهور.

ذكر المصنف رحمه الله هنا أنه إذا طلق مدخولاً بها في زمن الحيض أو في طهر جامع فيه فهو طلاق بدعة محرم، ويقع، ولكن تسن رجعتها، واستدلوا بحديث ابن عمر: (أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستاء لذلك وقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله: (فليراجعها) دليل على أن الطلاق قد وقع، وهذا معنى قوله: (تسن رجعتها) ، فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، وهو يدل على أنه طلقها في حيض ووقعت، وأمر أن يراجعها، إذا راجعها في ذلك الحيض أمسكها، حتى إذا طهرت بعد ذلك الحيض فإنه يجامعها؛ لأن الرجعة تكون بالوطء، ثم بعد ذلك يمسكها، فإذا مضى ذلك الطهر وحاضت حيضةً أخرى وطهرت، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك.

فالنبي عليه الصلاة والسلام أمره أن يراجعها في ذلك الحيض حتى تطهر، وفي الطهر الذي بعد ذلك الحيض يطؤها فيه، ولا يطلقها في ذلك الطهر حتى تحيض حيضة غير التي طلقها فيه، فإذا حاضت أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت في الحيضة الثانية طلقها إن شاء أو أمسكها، وإذا تأملنا ذلك وجدنا أن الحكمة فيه تقليل الطلاق؛ لأن الشرع يكرهه، وذلك لأن الزوج إذا حاضت امرأته قد تكرهها نفسه؛ لأنه لا يقدر على الانتفاع بها والاستمتاع، فإذا طلقها وهي حائض تسرعاً منه فإنه يندم، بخلاف ما إذا أمسكها، فنقول له: أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت فقد تغلبه شهوته فيطؤها فإذا وطئها في ذلك الطهر قلنا له: لا تطلقها في ذلك الطهر حتى يتبين حملها، فإذا أمسكها ولم يتبين فقد يبغضها، فإذا حاضت المرة الثانية قلنا له: لا تطلقها في هذا الحيض فهو طلاق بدعة، أمسكها حتى تطهر، لا يجوز الطلاق في الحيض، فهو يمسكها مع كراهته لها، وإذا طهرت من الحيضة الأخرى فقد يندفع إليها ويجامعها، فإذا جامعها عرف أيضاً أنه لا يحل له أن يطلقها في ذلك الطهر الذي وطأها فيه، فيمسكها وربما يتغير ما في قلبه، ربما يتراجع عن عزمه على الطلاق، فيمسكها ويبقيها زوجة له، وتصلح الحال بينهما، هذا هو السبب في النهي عن طلاق البدعة.

عرفنا أن طلاق الثلاث طلاق بدعة، ويقع عند الجمهور، وأن من طلاق البدعة الطلاق في الحيض، ومع ذلك يقع عند الجمهور , وأن من طلاق البدعة أن يطلق في طهر قد جامع فيه، ويقع عند الجمهور، ولا يقع عند بعض المحققين.