للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقل مدة الحمل وأكثرها]

يقول المصنف: ومن أتت زوجته بعد نصف سنة منذ أن كان جماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها، ولو ابن عشر، لحقه نسبه.

قدر الفقهاء أن أقل مدة الحمل نصف سنة، فإذا تزوج امرأة ودخل بها، وبعد أن دخل بها ولدت بعد ستة أشهر، ولدت في الشهر السابع بعد دخوله عليها، فهذا الولد يلحق به؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، والغالب أن أكثر النساء تلد لتسعة أشهر، ولكن لما كان أقل مدة الحمل ستة أشهر دُرئ عنها الحد.

فلو أنكره وقال: إنه ليس مني.

فلا يقبل إنكاره، إلا إذا كان هناك قرائن بينة، وفي هذه الأزمنة يمكن أن يعرض على الأطباء الذين يقدرون عمر الجنين، فإذا عرض عليهم وقالوا بعدما دخل عليها بشهر: هذا الحمل له -مثلاً- عشرون أسبوعاً أو خمسة عشر أسبوعاً، تبين أنه ليس منه، فله في هذه الحالة أن ينتفي منه، وإذا لم ينتف منه فإنه يلحق به.

ذكر أن امرأة ولدت بعدما تزوجها رجل بستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فقال له بعض الصحابة: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، واستدل بقول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:١٥] أي: مدة حمله ومدة فصاله ورضاعه، وقال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:١٤] فصاله: يعني رضاعه في عامين، فإذا أسقطنا العامين وهي أربعة وعشرون شهراً من الثلاثين فكم يبقى؟ يبقى ستة أشهر، فهي مدة الحمل، فالرضاع والفصال سنتان أربعة وعشرون شهراً، والبقية مدة الحمل، هذا أقل مدة الحمل.

أما إذا طلق رجل امرأة، ولما طلقها ادعت أنها حامل، ولم تتزوج، ومضى عليها سنة وسنتان ولم تلد إلا في السنة الثالثة أو في السنة الرابعة قبل تمام أربع سنين منذ طلقها، وادعت أنه منه، لزم الإقرار به واستلحاقه؛ لأن الحمل قد يبقى في الرحم سنتين أو ثلاث سنين، وأكثر ما وجد أن الحمل يبقى في بطن أمه أربع سنين، ولكن الغالب أنه يكون مريضاً، وأنه في حالة مرضه لا يتغذى ولا ينمو بدنه وجسده؛ فلذلك تزيد مدة الحمل، فإذا ولدته لأقل من أربع سنين منذ أبانها لحقه.

ولو كان الزوج صغيراً كابن عشر فإنه يلحقه نسبه؛ لأن ابن عشر قد يكون منه انتشار، ويكون منه شهوة، ويحصل منه الإنزال، وقد قدر العلماء أن أقل ما يحصل البلوغ لابن عشر، فإذا دخل بزوجة وهو ابن عشر سنين، وعلقت بحمل لحقه ذلك الحمل.

ولكن اختلفوا: هل يحكم ببلوغه مع الشك فيه؟ قالوا: لا يحكم بالبلوغ إلا بعد اليقين، وبلوغ الرجل يكون باحتلامه أو بالإنبات -كما تقدم في باب الحجر- أو بتمام خمس عشرة سنة، لكن إذا دخل بامرأة وحملت وهو ابن عشر تبين بذلك أنه قد بلغ؛ لأن الحمل لا يكون إلا من إنزال، فلابد أنه أنزل في الرحم، وحصل من ذلك الإنزال علوق ذلك المولود، فأما إذا شك في هذا المولود هل هو من هذا الصبي أو من غيره فلا يحكم ببلوغه مع الشك.