للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[درجات الأمهات في الأحقية بالحضانة]

ومعلوم أن الطفل إذا ولد لو ترك لهلك، فلا بد ممن يحضنه في حالة صغره لأنه يحتاج إلى من يحمله، وإلى من يؤكله، وإلى من يغسله، وإلى من ينومه، وإلى من ينظفه، من الذي ينظف ثيابه إذا اتسخت، وينظف جلده، وينظف بدنه إذا اتسخ بالأوساخ والأقذار والإفرازات النجسة ونحوها؟ وكذلك من يصلح فراشه، ويصلح مهاده، ويصلح حالته؟ لا بد من كفيل يكفله، فإذا كانت الأم موجودة فإنها هي التي تحضنه، وتصبر على المشقة التي تلاقيها في هذه الحضانة، فلذلك كانت الأم أولى بحضانة طفلها أو بحضانة أطفالها، وإذا طلبت الأجرة فالأجرة على الأب؛ لأنهم أولاده، كما أنه لو استأجر لهم مرضعاً دفع الأجرة، ولو استأجر لهم حاضنة دفع الأجرة، فكذلك إذا كانت الأم مثلاً مطلقة وحضنت أولادها، فنفقتهم على أبيهم، وكذلك أيضاً عليه أجرة حضانتها.

والصغير والمعتوه لا بد لهم ممن يتولى أمرهم؛ لأن المجنون لا يعرف مصلحة نفسه، فقد يقع في مهالك، وقد يتردى من شاهق أو نحو ذلك فيموت، وكذلك المعتوه الذي هو ناقص العقل، فلا بد من الحضانة لمثل هؤلاء.

ذكر أن الأمهات أحق بالحضانة؛ لأنهن أصبر على التعب والمشقة، فالأم التي ولدت الطفل هي أولى أن تتولى حضانته، حتى ولو كانت مطلقة، إذا كانت طلقت ومعها طفل عمره سنة أو أقل أو أكثر فلا بد من حضانتها له، فيكون معها.

قد تسخط على زوجها لأنه طلقها، ثم ترمي إليه بالطفل ذكراً أو أنثى، وتقول: هذا ولدك، أنت الذي تتولاه، أنت الذي تغسل نجاسته، وأنت الذي ترضعه، وأنت الذي تنظفه، من باب السخط، ومعلوم أنها تحبه لأنه ولدها، ولكن من باب إظهار الشنآن والعداوة بينها وبين أبيه، ففي هذه الحال تسقط حضانتها، ويتولى الحضانة من يليها.

إذا كانت الأم تبرأت من الحضانة فتليها الجدة، واختلفوا أي الجدتين أولى: أم الأم أو أم الأب، وكأن الفقهاء يقدمون أم الأم، ويختار بعض العلماء أم الأب؛ لأنها أقرب نسباً؛ ولأن الجميع يدلين بالأمومة، فكل واحدة تقول: أنا أم، والأولى أيضاً إذا حصل تشاح أن ينظر أيهن أقدر، وأيهن أقوى، وأيهن أشد، فتقدم، سواء كانت أم الأم أو أم الأب، تقدم التي هي أكثر فراغاً وأحسن تربية، أو ما أشبه ذلك.

وتقدم القربى قبل البعدى، إذا كانت جدته أم الأم، وجدته أم أم الأم، فالقريبة أولى، وكذلك أم الأب وأم أم الأب أو أم الجد.

فإذا امتنعت الأم أو عدمت الجدات فالأب بعد ذلك أولى، والأب كيف يربيه؟ إذا كانت عنده زوجة فإنه يضعه عند زوجته لتربيه، أو يستأجر خادمة، وإذا كان عنده خادمة مملوكة فهي تقوم بتربية هذا الطفل، وإلا استأجر خادمة تقوم على كفالته وحضانته.

ذكروا بعد الأب أمهاته، والصحيح: أن أم الأم وأم الأب في درجة واحدة، يقدمان على الأب.

وذكر بعد ذلك الجد، ثم أمهاته، يعني: أنه إذا كان الجد موجوداً فالذي يتولى الحضانة هو الجد، يستأجر له، أو تحضن له مملوكته، ثم بعد الجد أمهاته، وأم الجد قد تكون بعيدة، وقد تكون كبيرة.

بعد الجد والأب تتنقل الحضانة للإخوة، وتقدم الأنثى، فالأخت الشقيقة أولى من الأخت لأم ومن الأخت لأب، وكان الفقهاء يقدمون كل من يدلي بالأم، فلذلك قالوا: إذا كان له أختان: أخت من الأم وأخت من الأب، وكلاهما تطلبه، فإنهم يقدمون الأخت من الأم، مع أنها من ذوي الأرحام، وليست من النسب، ولعل الأقرب تقديم الأخت من الأب؛ لأنها أشفق، ويمكن أن يقال: تقدم أشبهن أو أفرغهن، يعني: التي عندها فراغ تكون هي الأولى.

إذا لم يكن له أخوات انتقلت إلى إخوته، وقيل: تنتقل إلى إخوة أو أخوات الأب والأم، والخالة أخت الأم يختار كثير من العلماء تقديمها، ويستدلون بقصة ابنة حمزة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة في عمرة القضاء تبعتهم بنت حمزة بن عبد المطلب تقول: يا عم يا عم! لأنها قد تمت سبع سنين أو قاربتها، فأخذ بيدها علي وأركبها مع فاطمة، وقال: دونك بنت عمك.

فلما قدموا المدينة تنازعوا فيها أيهم يحضنها؟! فطلبها زيد بن حارثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهما أخوين، يعني: آخى بين حمزة وبين زيد، وقال: بنت أخي.

وطلبها علي وقال: بنت عمي.

وطلبها جعفر وقال: بنت عمي، وخالتها تحتي -خالتها التي هي أسماء بنت عميس - فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: (الخالة بمنزلة الأم) هذا تقديم للخالة، مع أنه يوجد لها عمة التي هي صفية أم الزبير، وهي عمتها أخت حمزة، ومع ذلك قدم الخالة، فهذا هو السبب في قولهم: ثم خالة ثم عمة، ولعله ينظر أيهما أقوى، وأيهما أنصح، وأيهما أعرف بالتربية.

بعد ذلك -بعد ألا يوجد عمة ولا خالة- ينتقل إلى بنت الأخ، بنت أخيه الشقيق تكون أولى بالحضانة من بنت أخيها، ثم تنتقل إلى بنت الأخت، يعني: إذا لم يكن هناك بنت أخ حضنتها بنت أختها، ولو كانت من ذوي الأرحام.

ثم بعد ذلك تنتقل إلى بنت العم وبنت العمة، وبنت العمة أيضاً من ذوي الأرحام، ولكن لها قرابة، ثم بعد ذلك بنت عم الأب وبنت عمته مع بعدها، على ما فصل.

إذا لم يوجد هؤلاء كلهم فهي لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، الإخوة مثلاً، ثم بنو الإخوة، والأعمام، وبنو الأعمام الأقرب فالأقرب.

هذه أحقية الحضانة.