للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قتل الجماعة بواحد]

يقول: [ويقتل عدد بواحد] .

إذا اجتمع عدد وتساعدوا على قتل واحد فإن القصاص عليهم جميعاً، فإذا كانوا كلهم عزموا واتفقوا على قتله، أو كان فعل كل واحد منهم يصلح أن يكون قاتلاً فإنهم يقتلون كلهم، فلو اجتمع أربعة على قتل إنسان، فأحدهم قال: أنا أمسك يديه.

والآخر قال: أنا أمسك رجليه.

والآخر قال: أنا أمسك أذنيه.

والآخر خنقه مثلاً أو برك على صدره، أو طعنه، وكانوا أربعة يُقتلون إذا اتفقوا على قتله.

وردت قصة أن غلاماً كان عند امرأة كأنه ابن زوجها، ثم إن زوجها غاب، واتفقت مع خمسة أو سبعة على أن يأتوها لفعل الفاحشة، فلما جاؤوا إليها قالوا: نخشى من هذا الولد -ولد زوجها- أن يدل علينا.

فاتفقوا على غمه إلى أن مات، ثم ألقوه في بئر، ولما فقدته أخذت تبكي وتنادي وتدعو من يدلها عليه، ثم بعد ذلك وجد الذباب يخرج من تلك البئر، فأخرج وإذا فيه أثر الغم والقتل، فاتهم واحد من هؤلاء فقبض عليه، وكأنه رؤيت عليه علامة، فدل على الباقين فاعترفوا، فأمر عمر رضي الله عنه بأن يقتلوا كلهم، واشتهر عنه أنه قال: (لو تمالأ على قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به) سبعة قتلوا بواحد، والقصة في مصنف عبد الرزاق، ويذكر الفقهاء في كتبهم قول عمر: (لو تمالأ على قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به) .

وسبب ذلك أنهم تساعدوا على قتله، وكل منهم مريد قتله، ولو أسقطنا القتل عنهم لتجرأ كثير من الناس، فإذا أراد أحد أن يقتل أحداً تساعد مع آخر وقال: هلم فلنقتله الاثنان حتى لا يكون علينا قصاص، هلم فلنجتمع ثلاثة أو أربعة حتى لا يكون علينا قصاص.

فتبطل حقوق المسلمين، وتهدر كثير من دماء المسلمين، فلا جرم أن يقتل العدد بالواحد إذا كان كل منهم عازما ًعلى قتله، أو فعل به فعلاً يصلح أن يكون قتلاً ويصدق عليه أنه قتله، فيقتلون به ولو كانوا كثيراً، ولو قيل: لا يقتل إلا واحد لقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:٤٥] ، {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:١٧٨] فحينئذٍ نقتل واحداً ونترك ثلاثة أو سبعة، مع أن كلهم قتله! وهذا الواحد الذي قتلناه مشترك مع غيره، فلذلك يتحتم قتل الجميع ولو كثروا.

أما إذا عفا الأولياء عنهم ففي هذه الحال إذا طلبوا الدية ليس لهم إلا دية واحدة؛ لأن القتيل واحد فلا تتعدد الدية، لكن يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم ويتركوا بعضهم، فلو قالوا: نقتل منهم ثلاثة ونصفح عن ثلاثة أو عن أربعة جاز ذلك، أو قالوا: هذا سوف نقتله، وهذا يشتري نفسه وينقذها بمائة ألف، أو بألف ألف، أو بألفي ألف يجوز ذلك، فيجوز أن يقتلوا واحداً دون الآخر.