للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط الرجم بالزنا]

شروطه: الإحصان، وثبوت الزنا، فيرجم حتى يموت، وأما غير المحصن فيجلد مائة ويغرب عاماً، يجلد مائة جلدة، ويغرب سنة، وغير المحصن هو البكر، وأول ما نزل في حد الزنا قول الله تعالى في سورة النساء: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:١٥-١٦] ، فكانوا في أول الإسلام يحبسون الزاني والزانية، ويطيلون حبسه لقوله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) .

بعد ذلك نزلت الآيات في أول سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢] إلخ الآيات، ونزلت أيضاً آية الرجم التي نسخت، وروى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، فهذا حديث صحيح عند مسلم وغيره، وفي هذا الحديث أن الزاني إذا كان محصناً يجمع له بين العقوبتين، أولاً: يجلد مائة جلدة عملاً بقوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢] ؛ فإن الآية عامة للمحصن ولغيره فيجلد المحض مائة جلدة ثم بعد ذلك يرجم.

وروي عن علي رضي الله عنه أنه زنت امرأة في عهده يقال لها: شراحة، ولما زنت وثبت زناها جلدها في يوم الخميس، ثم رجمها في يوم الجمعة وقال: (جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، هكذا جمع بينهما، والحديث فيه الجمع: (الثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، لكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الرجم في قصة ماعز الأسلمي حين زنى واعترف، وكان قد تزوج، فاقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على رجمه، وجاءت بعده المرأة التي زنى بها يقال لها: الغامدية فاعترفت، ولم يجلدها، بل أمر بها فرجمت.

وهناك قصة أخرى لامرأة من جهينة، وهذه أيضاً قد وقعت في الزنا فاقتصر على رجمها، وقصة اليهوديين اقتصر على رجمهما ولم يأمر بالجلد قبل الرجم، فهذه القصص تفيد أنه لا حاجة إلى أن يجمع بين الحدين، بل يقتصر على الرجم والرجم كافٍ، وذلك لأنه يأتي على الحياة، وقالوا: إنه لما تلذذ جسده كله بتلك الشهوة المحرمة ناسب أن يعذب وأن يتألم جسده كله بهذه العقوبة، فهذا الجسد الذي تلذذ بلذة محرمة يعاقب بعقوبة شديدة تعمه كله وهو الرجم، ولأنه قد أنعم الله عليه، حيث قد تزوج ودخل بزوجته، فعدل عن الحلال إلى الحرام، فكانت عقوبته أشد.

ويعم ذلك ما لو كان قد طلق، فإذا زنى بعد أن تزوج ودخل بامرأته وطلق امرأته -أي: ليست عنده امرأة- صدق عليه أنه محصن، فعند ذلك يرجم، وأما غيره وهو البكر الذي لم يسبق له زواج فعقوبته الجلد، يجلد مائة ويغرب سنة، والتغريب أن يبعد عن وطنه وأن ينفى إلى بلد بعيد، والحكمة في ذلك أن يفقد من كان يعرفه، ويبتعد عن الأماكن التي فيها فساد؛ لأنه قد يكون في بلده يعرف بيوت الدعارة ويعرف مجتمعات فاسدة ويعرف أمكنة الخنا ونحو ذلك، فمن عقوبته أن يغرب إلى بلد لا يعرف فيها شيئاً، ولا يتمكن فيها من أن يتصل بأحد من أهل الفساد والشرك، ويبتعد عن بلده التي عرف فيها أشراراً، فلعله إذا رجع لا يعود إلى ذلك.

لكن في هذه الأزمنة قد تكون الغربة سبباً في زيادة شره؛ لأنه قد يغرب إلى بلد أشد فساداً، فكثير من البلاد إسلامية أو غير إسلامية الزنا فيها أكثر من بعض، وإذا غرب إليها فإنه قد يعجبه ذلك، ويسر به ويقول: الآن تمكنت مما أريد، والنساء فيها كثير، والمرأة تبذل نفسها بدون إكراه.

فيكون تغريبه زيادة في إفساده، فلذلك يرى بعض المشايخ أن بدل النفي السجن، فيدخل في السجن لمدة سنة، ويكون بذلك قد تاب إذا سجن وضيق عليه، فلعله يتأثر ويبتعد عن الأماكن التي فيها الفساد.

والحاصل أن هذه العقوبة تكون زاجرة عن هذا الذنب الكبير، والذين عطلوها انتشرت فيهم الفواحش، في بعض البلاد التي هي بلاد إسلامية أو فيها إسلام عطلت فيها هذه الحدود، فلا يسمع فيها بجلد على زنا، وكذلك بسجن عليه ولا برجم، بل توجد فيها الإباحية، حيث يزعمون أنه إذا بذلت المرأة نفسها باختيارها وبدون غصب أو نحوه فهو حق لها، وقد بذلته باختيارها فكيف مع ذلك تعاقب؟! والذي فعل بها ما غصبها فلا عقوبة عليه؛ لأنها بذلت ما تملكه، فيعطلون هذا، بل يمنعون أباها من التصرف فيها ومن منعها، فإذا كانت تفعل ذلك باختيارها لا يقدر أبوها ولا ولي أمرها على منعها، فلا شك أنه بهذا تنتشر هذه الفواحش، فالمرأة معها شهوة، ولأنها ضعيفة الإرادة، ولأن إيمانها ضعيف فليس معها ما يزجرها، فإذا سمح لها ووجدت من يفجر بها مع كثرة الأشرار والفجار تعظم المصيبة ويكثر الفساد، فلذلك انتشرت الفواحش في تلك الدول التي أباحت للمرأة بذل نفسها.

أما إقامة الحدود في البلاد التي تطبق شرع الله فإن الفواحش فيها أقل، وإن كان الشر كثيراً.