للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستهزاء بشيء من أحكام الدين]

يكثر الاستهتار بأحكام الإسلام، وذلك أن كثيراً من ضعاف الإيمان يضحكون من المؤمنين ويسخرون منهم، وهذه السخرية لا شك أنها ذنب كبير قد يوقع في الكفر والردة، وفي القرآن قصة الساخرين الذين حكم الله تعالى بردتهم في غزوة تبوك يوم قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم والقراء الذين معه- أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء.

وكذبوا، فليسوا أرغب بطوناً، ليس همهم بطونهم ولا همهم فروجهم.

وحدث قبل أربعين سنة أو ثلاث وأربعين أن اليهود نشروا صورة كاريكاتير في صحفهم، ثم التقطها أيضاً أتباع لهم من أهل مصر ونشروها، حيث صوروا صورة ديك وكتبوا تحته بخط عريض بالعامية معناه: (هذا محمد أفندي المتزوج تسعاً) هكذا تجرءوا هذه الجرأة! صوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ديك، وادعوا أنه ليس له هم إلا فرجه، وأنه من أجل شهوته تزوج تسعاً، والتقطها بعض المصريين ونشروها كأنهم مقرون لها، ثم رد عليهم أحد علماء مصر واستبشع قولهم، وكتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة رداً عليهم على هذه المقالة، ورداً على جمال في قوله بالاشتراكية في تلك السنوات، حيث أمم كثيراً من الأموال وانتزعها وقال: إن الناس شركاء، وعنوان رسالة الشيخ رحمه الله: (ردة عن الإسلام واشتراكية الحرام!) ، فتكلم على تلك الصورة والذين أقروها من المصريين، واستبشع مقالتهم، وجعل هذا ردة عن الإسلام، ثم تكلم أيضاً عن الاشتراكية، فمثل هذه الكلمة تعتبر ردة.

ونقول: إن كثيراً من الناس يتهاونون في مثل هذه الكلمات، وقد عدت من أسباب الارتداد والعياذ بالله! قال الله تعالى في سورة البقرة: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٢١٢] فالسخرية من الذين آمنوا تعتبر كفراً؛ لأنهم إذا سخروا منهم فكأنهم يسخرون من دينهم الذي يفتخرون به، وقال تعالى في قصة الذين قالوا مقولتهم في غزوة تبوك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا} [التوبة:٦٥-٦٦] ، فكفرهم بهذا الأمر {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦] أي: دل على أنهم كانوا آمنوا، وأن هذه الكلمة ارتدوا بها وأصبحوا كافرين.

وقال تعالى أيضاً في سورة التوبة: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:٧٩] ، هكذا عادة الكفار أنهم يسخرون من المؤمنين، كما قال الله تعالى في قصة نوح لهود: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨] يعن: أنهم يسخرون من نوح وصناعته للسفينة، ولكن هكذا قال لهم، فأنت -مثلاً- إذا جاءك من يسخر بك فقل: ((إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ)) ، فالذين مثلاً يسخرون من اللحية ويقومون بمعاداة اللحى وصاروا يسخرون من الذين يربونها فيلمزونهم بأنها كأنها ذنب تيس وكأنها مكنسة بلدية، هذا سخرية من السنة، فقل لهم: ((إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)) ؛ لأن هذا استهزاء بالسنة، والسنة النبوية هي التي جاءت بهذا الأمر، ولا شك أن هذا سخرية بالشرع والشريعة، فيلحق بالمرتدين والعياذ بالله، وقد سماهم الله تعالى المجرمين، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩] إلى آخر السورة.

يعني أنهم يتنقصونهم ويقولون: هؤلاء مساكين، أضاعوا حياتهم في تعلم هذه الأبواب، تعلم صلاة، وتعلم طهارة، وتعلم صيام، وفاتهم السبق والتقدم، فالناس وصلوا إلى الأفلاك العليا، ووصلوا إلى القمر، وصنعوا الذرة ونحو ذلك، وأما هؤلاء فإنهم أضاعوا أعمارهم يتعلمون باب التيمم، وباب الحيض وباب إزالة النجاسة وباب كذا وكذا، فلا يستفيدون إلا هذه العلوم التي نقصت أعمارهم وضيعت عليهم تقدمهم، أليس هذا سخرية؟ نعم إنه سخرية بعلوم الشريعة، وإنهم وإن تعلموا ما يقولون فإنه قد فاتهم الخير الكثير.