للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام الضيافة]

ثم بعد ذلك ذكر الضيافة، قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:٢٤] ، أخبر الله تعالى بأن إبراهيم كان يكرم الضيف، كل من نزل به أكرمه، وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليليته، ثم قال: والضيافة ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يأوي عنده حتى يحرجه) .

وقديماً كان المسافرون يأتون على أرجلهم وليس مع أحدهم متاع، فيمر بقرية فينزل عند بعض المنازل أو بعض أهل البيوت، وإذا نزل علق متاعه أو نعليه وصار بذلك ضيفاً، وصاحب المنزل يطعمه غداءً وعشاءً كعادة أهل البلد، يطعمه مما يأكله هو وأهله، هذا هو الإكرام، (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، والضيافة في الأصل يوم وليلة، وإذا زاد فإنها ثلاثة أيام، فإن زاد على الثلاثة فله أن يعتذر منه ويقول: قد انتهت مدة الضيافة فانتقل عني، كذلك يقول: لا يحل للضيف أن يأوي عند صاحب البيت حتى يحرجه ويشق عليه، بل يكون خفيفاً ولا يضجر صاحب البيت.

ويلزم المسلم ضيافة المسلم المسافر، وخصه بقوله: [في قرية لا مصر] ، فالضيافة تكون في القرى، وذلك لأنه إذا نزل في قرية قد لا يجد مكاناً يأوي إليه، فيحتاج إلى أن ينزل مقابل صاحب بيت ينيخ راحلته، فيعرف صاحب البيت أنه قد وافاه، فعليه أن يضيفه ويكرمه ولا يكن كمن قال فيهم تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:٧٧] يعني: يكرموهما، أما في المصر أو في المدن الكبار فلا يلزم ذلك؛ لأنه في الاستطاعة، في إمكانه أن يجد المطاعم والفنادق، فيأكل في الفندق ويكرم نفسه، أو يأكل في المطعم، وسيجد ما يسد حاجته، ولا يحتاج إلى أن يضيف، إلا إذا كان له قريب أو صديق واستضافه فله أن يستضيفه، وأن ينزل عنده، بخلاف القرى فإنها لا توجد فيها المطاعم وما أشبهها، وغالباً يخجل أن ينزل أمام أهل قرية وينصب قدره ويوقد ناره ويخبز والناس ينظرون إليه، يخجل من ذلك، لأجل ذلك يضيف عند أحدهم، فيضيفونه يوماً وليلة قدر كفايته، والسنة ثلاثة أيام.