للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال الحنث في اليمين]

قوله: (يسن الحنث، ويكره البر إذا كان على فعل مكروه وترك مندوب، وعكسه بعكسه) : ورد في حديث أبي موسى أنه جاء في غزوة تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يحمله ويحمل قومه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما عندي ما أحملكم، ووالله لا أحملكم، ثم جاءته إبل من إبل الصدقة، فأرسل إليهم خمس ذود غر الذرى، فقالوا: استغفلنا رسول الله يمينه، فقد حلف ألا يحملنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) وكذلك قال لـ عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك وأئت الذي هو خير) ، فإذا حلف أحد أنه لا يكلم فلاناً من غير سبب فهذا حرام، فيكفر ويكلمه، أو حلف ألا يقبل هدية فلان، فيكفر ويقبل هذه الهدية؛ لأن قبول الهدية مستحب.

حلف ألا يقبل دعوة فلان، وإجابة الدعوة من المستحبات أو من الواجبات، فعليه أن يكفر عن يمينه ويجيب تلك الدعوة، أو حلف ألا يصل فلاناً وكان له قرابة، أو لا يهدي إليه أو لا يستضيفه، فيكفر عن ذلك ويفعل، فإن فعل ذلك خير، روي أن رجلاً كان له دين، فطلبوا منه أن يسقط من دينه، فحلف وقال: والله لا أسقط منه شيئاً، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (حلف ألا يفعل خيراً!) يعني: حلف ألا يتنازل عن شيء من ماله، والأولى أن يسقط عن هذا الغريم المدين الفقير، وأن يكفر عن يمينه، وهكذا إذا حلف ألا يتصدق في هذا الشهر، فالصدقة خير، فعليه أن يحنث وأن يتصدق ويكفر، وهكذا في سائر المستحبات.

ويكره بره بيمينه إذا كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب، ففعل المكروه كأن يحلف مثلاً أن يسب فلاناً لأنه قد سبه، فالأولى أن يكفر ولا يفعل، وإذا قيل له: إن فلاناً اغتابك، فقال: والله لأغتابنه.

فعليه أن يكفر ولا يغتاب لأن هذا فعل محرم، وإذا قيل: إنه مثلاً ضرب ولده ولدك، فقلت: والله لأضربن ولده، فالأولى أن تعفو وتصفح.

وأما إذا كان فعل خير فإن عليه أن يفي به ويكره حنثه، فإذا قال: والله لأتصدقن في هذا اليوم، فلا يترك الصدقة ولو بشيء قليل، أو قال: والله لأقرأن في هذا اليوم جزءاً من القرآن، أو إذا كان مدخناً فقال: والله لا أدخن في هذا اليوم، أو كان يسمع الغناء فحلف ألا يسمعه في هذا اليوم؛ فعليه أن يوفي بيمينه، ويكره الحنث.

هذا معنى قوله: (وعكسه بعكسه) ، فإذا حلف أن يفعل خيراً أو يترك شراً فعليه أن يوفي بما حلف، ففعل الخير كأن يحلف أن يتصدق، أو يقرأ في هذا اليوم جزءاً، أو يصلي في هذه الليلة ساعة، أو يزور في هذا اليوم مريضاً أو يتبع فيه جنازة، فهذا فعل خير، لا تحنث وأوف بيمينك.

وكذلك الترك، إذا حلف وقال مثلاً: والله لا أشرب الدخان هذا اليوم، أو لا أسمع الغناء هذا اليوم، أو لا أنظر إلى الصور هذا اليوم، فأوف بيمينك ولا تحنث، فإنك حلفت على خير.