للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدد الشهود في الزنا]

لما ذكر المؤلف الشهادات ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل، وما يتعلق بها؛ تكلم بعد ذلك في عدد الشهود في الدعاوي التي يختلف فيها الحكم، فذكر أن عدد الشهود في الزنا أربعة، ودليل ذلك: قول الله تعالى في سورة النساء: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:١٥] وقوله تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤] ، إلى قوله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ} [النور:١٣] فدل على اشتراط أربعة، ولابد أن يكونوا رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء ولو كثرن في هذا؛ وذلك لأنه شيء يتعلق بالرجال، ويطلع عليه الرجال؛ فاشترط أن يكونوا رجالاً، وتقدم قول المؤلف: ثبوته بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد بزناً واحد مع وصفه، يعني: لابد أن يكونوا في مجلس واحد، ولابد أن يكونوا عدولاً، ولابد أن يشهدوا بزناً واحد، ولابد أن يصفوه وصفاً شاملاً؛ وبذلك يثبت الحد الذي هو الزنا.

يقول العلماء: لابد أن يشهدوا به شهادة واضحة بأن يروا فرجه في فرجها، وقد ذكرنا في كتاب الحدود أن هذا قد يكون متعذراً، يعني: رؤية الفرجين، ولكن إذا تحققوا أنه وقع بها وأنه أولج فيها، ورأوا علامات ظاهرة تدل على الزنا؛ فإنهم يشهدون وتقبل شهادتهم، وإذا شهد أربعة على رجل بأنه زنى قبلت شهادتهم على الصحيح ولو جاءوا متفرقين، وهكذا أيضاً لو شهد اثنان في يوم السبت أنه زنى، ثم شهد يوم الأحد آخران أنه زنى، فاجتمع أربعة عدول ثقات، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويقام عليه الحد، هذا ما يتعلق بما يثبت به حد الزنا.

وكذلك إذا شهدوا أنه أقر عندهم أربع مرات، فهذا أيضاً مما يقام به الحد، يقولون: نشهد أنه اعترف عندنا أربع مرات أنه زنى بفلانة، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم، والصحيح أنه إذا أنكر يدان، فإذا قال: إنهم كذبوا علي.

وكانوا عدولاً فإنه يدان، ويقام عليه الحد بموجب شهادتهم على اعترافه، ولا يقبل إنكاره ولا يقبل رجوعه ولو قال: رجعت عن الإقرار بعد أن شهد عليه أربعة؛ فالصحيح أنه لا يقبل.

هناك من يقول: إذا رجع يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد، واستدلوا بما وقع في رجم ماعز فإنه لما أذلقته الحجارة هرب، وروي أنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هلا تركتموه) ، ولكن لما لم يعنفهم ولم يضمنهم؛ دل على أنه مستحق للرجم ولو هرب.