للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور مختلف في وقوع الإفطار بها]

قوله: (ومن أدخل إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغ وحلق) يعني: إذا جرح أو شج في رأسه فداوى الجرح، ودخل الدواء إلى دماغه في رأسه؛ فقد دخل هذا الدواء إلى مجوف فهل يفطر بذلك أم لا؟ هناك أسباب متفق على الفطر بها وأسباب مختلف فيها، وهذا من المختلف فيه، فقيل: يفطر؛ لأنه أدخل شيء إلى مجوف وهو الدماغ فإنه جوف الرأس، وقيل: لا يفطر، ولعل الأقرب أن هذا معالجة جرح، وليس بغذاء، ولا يسمى آكلاً ولا شارباً إذا أدخل إلى دماغه دواء.

قوله: (كدماغ أو حلق) لا شك أن الحلق يوصل إلى الجوف؛ لأن الطعام يدخل عن طريق الحلق إلى المريء الذي هو مدخل الطعام والشراب، فإذا وصل إلى حلقه فإنه يعتبر داخلاً في جوفه، فيفطر ولو بقطرة أو قطرات من ماء أو نحوه.

قوله: (من أي موضع كان غير إحليله) الإحليل: هو مخرج البول، يعني: الثقب الذي في رأس الذكر، فإذا أدخل منه شيئاً فإنه لا يفطر به، لماذا؟ لأنه لا يصل إلى الجوف، والبول الذي يخرج من الإحليل (من هذا الثقب) ليس من الجوف، وإنما هو من المثانة، والمثانة ليس لها منفذ، وإنما يأتي إليها البول عن طريق الرشح، بمعنى أنه يجتمع البول في أسفل البطن، ثم تمتصه هذه المثانة، فيدخل إليها عن طريق الرشح، مثل رشح القربة التي في جوفها ماء وليس فيها خروق، ولكن لابتلالها يرشح الماء من ظاهرها.

فعلى هذا لا يكون الإحليل منفذاً، فإذا أدخل منه شيئاً فليس داخلاً إلى الجوف، بخلاف ما إذا أدخل من دبره.

أما الإدخال من الأذن ففيه أيضاً خلاف، وكذلك الإدخال من العين، ذكر الأطباء أن في العين عرقاً يتصل بالخياشيم، ولذلك إذا اكتحل في عينه فإنه يحس بأثر الكحل في خياشيمه، وكذلك إذا قطر في عينه قطرة حارة أو حامضة أو مالحة أحس بطعمها أو أحس بحرارتها في خياشيمه؛ فتصل إلى الفم، ولكن هل يسمى هذا أكلاً أو شرباً؟ لا يسمى أكلاً ولا شرباً إذا جاء عن طريق العين أو عن طريق الأذن، ومع ذلك فإن أكثر الفقهاء قالوا: إذا أحس بطعم القطرات -التي في عينه أو في أذنه- في خياشيمه فإنه يفطر إذا كان متعمداً، ورجح شيخ الإسلام أنه لا يفطر؛ لأن العين والأذن ليستا منفذاً محسوساً للأكل والشرب بخلاف الفم والأنف، فإنه منفذ محسوس، ومعلوم أن الماء إذا دخل في الخياشيم (المنخرين) دخل إلى الجوف، وقد ثبت في حديث لقيط أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) .

قوله: (أو ابتلع نخامة بعد وصولها إلى فمه) النخامة تارة تخرج من الرئة (من الجوف) فتصل إلى حلقه، فإذا أخرجها فوصلت إلى لسانه ثم عاد وابتلعها فقد ابتلع شيئاً له جرم فيفطر، وكذلك لو نزلت من رأسه ثم أخرجها عن طريق الفم فوصلت إلى فمه ثم أعاد ابتلاعها؛ لأنه ابتلع شيئاً له جرم.