للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استحباب صيام محرم لا سيما يوم عاشورا]

يستحب صيام شهر محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه: المحرم) وهو الشهر الأول من السنة الهجرية، ويسمى شهر عاشوراء؛ لأن اليوم العاشر منه يسن صيامه، والشهر كله يتقرب إلى الله فيه بالصيام؛ لأنه أحد الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:٣٦] وأفضله اليوم العاشر ثم التاسع.

اليوم العاشر يسمى يوم عاشوراء، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة مختلفة اختلافاً كثيراً، يمكن أن تنظر في منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار، ولعل السبب أنه دخل فيها الكذب، وسبب الكذب أن الرافضة لما قتل الحسين في يوم عاشوراء ولدوا فيه الأكاذيب الكثيرة، وأنه يوم شؤم؛ لدرجة أنهم إلى هذا اليوم يحزنون فيه، ويذكرون أنه يوم مشئوم، ويعملون فيه مآتم وأشياء محرمة.

ثم إنه قابلهم من يعرفون بالنواصب، فوضعوا فيه أحاديث أخرى كثيرة، وأنه يوم شريف، وأن يحصل فيه كذا، وأن من اكتحل فيه ومن ادهن فيه، ومن وسع فيه على أهله، ومن تطيب فيه إلخ، يريدون بذلك مراغمة الرافضة، فصار هذا اليوم لعبة بين هؤلاء الضدين: الروافض والنواصب، فأولئك كذبوا، وهؤلاء كذبوا؛ فلأجل ذلك توجد فيه الأحاديث المختلفة.

والذي صح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الصيام، وأنه كان يصومه ويأمر بصيامه، ويخبر أن صيامه يكفر سنة، فأما تلك الأشياء المختلفة فهي من وضع هاتين الطائفتين، ولا يلتفت إلى أقوالهم.

في صحيح مسلم أنه قيل: يا رسول الله! إن اليهود يصومونه، يعني: إنك تصومه الآن موافقاً لهم، فقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) ؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن التاسع ناسخ للعاشر، وفهموا ذلك من هذا الحديث، لكن لعله غير ناسخ، وأن الحكم باق في أنه يصوم التاسع والعاشر، ثم ورد أيضاً: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده وخالفوا اليهود) وفي رواية: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، هذا هو الذي صح فيه.