للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة مؤلف (أخصر المختصرات) وكتابه]

وفي ذلك الزمان ألف الخرقي مختصره، وهو من أهل العراق، ثم انتشر مذهب الاعتزال ومذهب الرفض هناك، فهرب إلى الشام، وبقي في الشام حتى مات.

وكان مذهب أحمد في الشام أكثر؛ بسبب توارث أهل الشام لمذهب الإمام أحمد، وكان يوجد المذهب أيضاً في العراق وفي مصر ولكنه قليل، وما زال كذلك إلى هذه الأزمنة؛ فإن الحنابلة أكثر ما يوجدون في الشام في حلب، وفي دمشق، وفي بعلبك، ونحوها.

وكان أهل نجد جهلة، وبعضهم يذهبون ليتعلمون، فمن ذهب إلى مصر تعلم مذهب الشافعي، ومن ذهب إلى الشام تعلم مذهب الحنابلة، ومن ذهب إلى تركيا ونحوها تعلم مذهب الأحناف، وكان أئمة الدعوة حنابلة؛ لأنهم كانوا يتعلمون هذا المذهب من علماء الشام، وكان في الشام حنابلة إلى العهد القريب، ومن آخرهم الحنبلي المشهور بـ ابن بدران الذي خدم المذهب الحنبلي، ومنهم أبو عبد الله محمد بن بدر الدين البلباني من علماء الحنابلة في القرن الحادي عشر، ألف كتاباً سماه (كافي المبتدي) ، واشتهر هذا الكتاب، ورأى أن فيه زيادة، وأن فيه ترتيباً أحسن مما قبله كزاد المستقنع ونحوه، ثم اختصره وسماه (أخصر المختصرات) ، وكلاهما للبلباني، و (كافي المبتدي) شرحه أيضاً معاصر المؤلف وهو أحمد بن عبد الله بن أحمد البعلي الحلبي وسمى شرحه (الروض الندي بشرح كافي المبتدي) ، وهو مطبوع في مجلد كبير.

ثم إن أخاه عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد البعلي الحنبلي شرح (أخصر المختصرات) وسماه (كشف المخدرات) ، فهذان أخوان شرحا هذين الكتابين اللذين ألفهما للبلباني، وكلاهما في القرن الحادي عشر، وكانا في دمشق أو في حلب.

ولا شك أن هذا دليل على عناية الحنابلة بمسائل الفقه، وسبب ذلك: أنهم تميزوا بالفقه الحنبلي واختصوا به، فلذلك الحنابلة المتقدمون والمتأخرون ما تجد مؤلفاتهم غالباً إلا فيما يتعلق بالفقه، وقليل منهم من يؤلف في غيره، إلا العلماء الفطاحلة الكبار كالإمام أحمد رحمه الله، وكذلك بعض تلامذته كابنه عبد الله، والخلال وابن بطة ونحوهم ممن كتبوا في المسائل الأخرى.

وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فهما من الحنابلة، ولكن لهم اختيارات قد يخالفون فيها المشهور عن الحنابلة في الفقه.

هذا الكتاب يقول فيه مؤلفه: إنه لن يجد ما هو أخصر منه، يعني: في زمانه لم يجد أخصر منه، فهو مؤلف على أبواب الفقه، ومسائله قريبة من مسائل كتب الفقه في (زاد المستقنع) ، والغالب أنه لا يخرج عن مسائل الزاد، وإنما يغير صيغتها، وقد يحذف منها بعض الأشياء، وبعض الجمل التي ليست مشهورة.

ولعلنا نقتصر في شرح هذا الكتاب على تحليل المسألة والتمثيل لها إذا احتاجت إلى ذلك، والإشارة إلى الحكم، والإشارة إلى الخلاف إذا كان قوياً.