للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً

قد عرفنا محظورات الإحرام، وهذه المحظورات إما أن يفعلها المحرم ناسياً أو متعمداً، فالناسي والجاهل يعذران في بعضها، وقد لا يعذران في البعض، فمثلاً: من المحظورات: قص الشعر، وتقليم الأظفار، والطيب، وجزاء الصيد، والوطء، هذه أكثر الفقهاء على أنه لا يعذر فيها المحرم ولو كان ناسياً أو جاهلاً، ويعللون بأنها إتلاف، والإتلاف يستوي عمده وسهوه.

ومعنى كونها إتلاف: أنه أتلف هذه الأظفار بدل ما كانت موجودة، أو أتلف هذا الشعر بدل ما كان موجوداً، أو أتلف هذا الطيب، أو أتلف هذا الصيد الذي صاده، فيقولون: الإتلاف يستوي عمده وسهوه.

ومثال ما ليس بإتلاف: تغطية الرأس، ولبس المخيط، وعقد النكاح.

والقول الثاني: أن جميع المحظورات ليس فيها فدية على الجاهل والناسي، ولا فرق بين الإتلاف وغيره؛ وذلك لأن الناسي معذور في جميع الأحكام التي يفعلها ويسقط عنه الإثم، قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] ، وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥] ، وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أنه لما نزلت هذه الآية: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] قال الله: (قد فعلت) ، وكذلك الحديث المشهور: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فيدخل في ذلك محظورات الإحرام، فإذا أخطأ فيها -ولو كان فيها إتلاف- فالصحيح أنه لا جزاء عليه، ولا فدية عليه في محظورات الإحرام كلها إذا فعلها ناسياً إلا الجماع، فإن الجماع -غالباً- لا يتصور فيه النسيان للمحرم، فهو بين طرفين، وقد تطول مدته؛ ولذلك أفتوا بأن فيه الفدية سواء كان عمداً أو سهواً.

أما الصيد فيقولون: إن الصحابة قضوا فيه، ولم يستفصلوا: هل أنت عامد أم لا؟

و

الجواب

أن الآية صريحة في اشتراط العمد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥] فشرط الله العمد، والوصف بالعمد يدل على رفع الإثم أو رفع الجزاء عن الناسي وعن المخطئ، وأن الجزاء إنما يلزم من كان متعمداً.

وهكذا الراجح أنه إذا قص من شعره ناسياً أو خاطئاً أو من أظفاره، أو تطيب ناسياً أو مخطئاً، فإنه معذور، ولا فدية عليه ولا إثم.

وهذه المحظورات يمنع منها المحرم؛ لأنها ترفه، والمحرم يتصف بالشعث والغبرة، ويبتعد عن أسباب الترفه والتنعم، ورد أن الله يباهي بالحجاج ملائكته فيقول: (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين) أي: قد اغبرت أبدانهم من طول البعد عن الترفه والتنعم، وقد شعثت رءوسهم.

وهم ضاحون، يعني: وهم بارزون في الشمس.

فهذا هو السبب في كون المحرم يبتعد عن أسباب الترفه، من الطيب ولبس المخيط وهو اللباس المعتاد، وكذلك عن تغطية الرأس، وكذلك عن أخذ الشعر أو أخذ الأظفار أو ما أشبه ذلك؛ لأجل أن يتصف بهذا الوصف الذي يدل على خشوعه وخضوعه، فإذا فعل من ذلك شيئاً من غير عمد فإنه معذور ولا إثم ولا فدية عليه على الصحيح.