للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يسن في الأضاحي]

قال المصنف رحمه الله: (السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى) النحر: هو طعنها في أصل الرقبة مما يلي الجثة، وهو يختص بالإبل لأن عنقها طويل، فتطعن في الوهدة التي في أصل العنق -بين الرقبة والنحر- هذا هو الأصل، واستدل عليه بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢] .

والسنة أن تكون الإبل عندما تنحر معقولة يدها اليسرى وهي قائمة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] كانوا يصفونها صفوفاً، ثم يعقلون من كل واحدة يدها اليسرى، فتكون قائمة على ثلاث، ثم يمسكون رأسها بحبل حتى لا تنفر، ويلوون رأسها إلى جانبها، ويربطون -أيضاً- قوائمها بحبال، فإذا طعنت سقطت وماتت، وهو معنى قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:٣٦] ، وبعضهم قد ينحرها وهي باركة، لاسيما إذا لم يكن عنده من يمسكها، وقد مر ابن عمر على رجل ينحر بدنته وهي باركة، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم) ، وهذا من السنن، ولكن إذا عجز عن ذلك جاز أن ينحرها وهي باركة.

وهل يجوز ذبحها في أصل الرأس؟

الجواب

الصحيح أنه لو ذبح الإبل في أصل الرقبة مما يلي الرأس أجزأ ذلك؛ لأنه حصل بذلك إماتتها، أما البقر والغنم فإنها تذبح، توضع على جنبها الأيسر ويستقبل بها القبلة، وتذبح البقرة والغنم ضأناً أو معزاً في أصل الرأس، ولو نحرت الشاة في أصل الرقبة أو البقرة أجزأ، ولكنه خلاف الأولى.

ويقول عند الذبح: (اللهم هذا منك ولك) .

يعني: أنت المتفضل به ونحن نذبحه رضاًَ لك، وإن كان الذي يأكله هو الإنسان، ولذلك قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧] أي: الله تعالى غني عنها، وعن لحومها ودمائها، ولكن امتحنكم واختبركم بذلك حتى يعلم من يمتثل ومن يطيع.

وسن أن يجزئ الأضحية أثلاثاً، هكذا ورد عن كثير من الصحابة، ثلث لأهله- ثلث الأضحية وكذا الهدي- والثلث الثاني يهديه لأقاربه وجيرانه، ولو كان عندهم من الأضاحي، والثلث الآخر: يتصدق به على المساكين والضعفاء وذوي الحاجات، يلتمسهم ولو كانوا بعيداً.

وفي هذه الأزمنة تكثر الأضاحي والهدايا، ففي مكة يضيع كثير منها، وبالأخص في يوم العيد، حيث يحرق أو يدفن كثير منها، ولكن هناك شركات تتقبل الأضاحي وتذبحها، ثم تسلخها، وترسل بها إلى بلاد بعيدة أو قريبة بها حاجة، وهناك من يأخذها ويثلجها في ثلاجات وينتفع بها، مثل الجمعيات الخيرية، وقد زرنا بعض الجمعيات قبل أسبوعين أو ثلاثة، ووجدنا عندهم أضاحٍ موجودة إلى الآن في الثلاجات، يوزعون منها كل يوم عدداً؛ وذلك لأن كثيراً من أهل القرى ذوو حاجة وفقراء ومساكين، فكانت هذه الثلاجات التي تبرع بها المحسنون سبباً في حفظها عن التعفن والتغير، والانتفاع بها عند الحاجة.

ويسن أن يحلق بعدما يذبح أضحيته تشبهاً بمن يذبح الهدي في مكة، فإنه إذا رمى ذبح ثم حلق، فقالوا: أنت في بلدك إذا ذبحت أضحيتك فإنه يسن أن تحلق رأسك؛ وذلك لأنه منهي عن حلق رأسه في أيام العشر، فإذا انتهت العشر وذبح أضحيته تشبه بالحجاج في الحلق، وإذا كان حديث عهد بالحلق فليس بلازم.

ولو أكل الأضحية كلها إلا قدر أوقية- يعني: قدر قبضة اليد- فتصدق بتلك الأوقية جاز، فإن أكلها كلها ولم يطعم منها شيئاً ضمن بعضاً منها يتصدق به، ولو أن يشتري من جزارين قدر الأوقية ويتصدق به.

وذكرنا أن من أراد الأضحية فإنه لا يأخذ شيئاً من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته في العشر، ففي حديث أم سلمة مرفوعاً: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي) ، والحكمة في ذلك: التشبه بمن ساق الهدي، فإنه يحرم ويتجنب أخذ شيء من شعره، فكأن المضحي عزم على أن يدفع شيئاً من ماله كالهدي، ولكن إن فعل فلا شيء عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية.

كثير من الذين ابتلوا بحلق اللحى يومياً أو كل يومين يقولون: لا نستطيع أن نصبر عن ذلك، فلذلك بعضهم يترك الأضحية التي تحرمه من حلق لحيته، فيجمع بين معصية وبين ترك طاعة، وبعضهم لا يصبر، فيقدم على حلق لحيته مع كونه يريد أضحية، فنقول له: عود نفسك الصبر، واصبر هذه العشرة الأيام؛ ولعل ذلك يكون سبباً في أن يفتح الله عليك، ويهديك فلا ترجع إلى هذه المعصية.