للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انتقاض عهد الذمي]

إذا تعدى الذمي على مسلم بضرب أو بقتل أو زنى بمسلمة أو نحو ذلك انتقض عهده، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه أن ذمياً كان يسوق امرأة راكبة على حمار، ثم إنه تحين غفلة الناس فحاول أن يسقطها، فسقطت من الحمار، وحاول أن يفجر بها، حتى جاء من أنقذها، فقال عمر رضي الله عنه: ما على هذا عاهدناكم، فأمر بقتله؛ لأن هذا يعتبر نقضاً للعهد.

وكذلك إذا قتل الذمي مسلماً أو مسلمة كما في حديث اليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، فرض رأسه بين حجرين.

كذلك إذا ذكر الله تعالى بسوء، كأن سب القرآن، أو سب الله تعالى، أو سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو سب الإسلام، أو تنقص الإسلام تنقصاً ظاهراً، فلا شك أن هذا كله يعتبر اعتداءً ونقضاً للعهد، فينتقض عهده، فيخير الإمام فيه كما يخير في الأسير الحربي، فإما أن يجعله رقيقاً يسترقه، وإما أن يأسره ويكون أسيراً، وإما أن يقتله، والأسرى يخير فيهم الإمام، قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:٤] فإذا أُسر من الحربيين أسارى، أو من الذين انتقض عهدهم بمثل هذه الأعمال فماذا يفعل بهم؟ يخير الإمام فيهم: فإما أن يقتلهم؛ وذلك لأنهم يعتبرون قد استحقوا القتل لنقضهم العهد أو بالاستيلاء عليهم لما غنم المسلمون أموالهم وأسروهم، سيما إذا كان لهم مكانة في قومهم، فله أن يقتلهم أو يفادي بهم أسرى المسلمين، فيرسل إلى الكفار فيقول: أطلقوا أسرانا ونطلق أسراكم، أو نعطيكم من الأسرى على أن تخلوا أسرانا، حتى ولو كان الأسرى من غيرهم، فقد يكون الأسرى الذي عند المسلمين من اليهود، وأسرى المسلمين عند النصارى، فيكون الفداء بمعنى: أن نعطيهم أسارى على أن يخلوا سبيل الأسارى الذين عندهم، أو تؤخذ الفدية التي هي فدية مال يبذلونه لفك أساراهم كما حصل من الفداء الذي دفعه كفار مكة في فداء أسراهم، يعني: أنه يخير فيهم بين أربعة أشياء: إما أن يفادي بهم أسارى المسلمين.

وإما أن يسترقهم.

وإما أن يمن عليهم.

وإما أن يأخذ بدلهم مالاً.

وقد ذكر الله بعض ذلك في قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:٤] .

والذميون يبقون في بلاد المسلمين مراقبين، فإذا تشبهوا بالمسلمين فقد نقضوا العهد، وكذلك لو تركوا التميز عن المسلمين انتقض عهدهم، فإذا انتقض عهدهم حلت دماؤهم، وهل تحل دماء أولادهم ونسائهم؟ الصحيح أنها لا تحل، روي أن رجلاً أسلم ثم ارتد، وبقيت زوجته لم ترتد، فلم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرها، وحكم بقتل المرتد دون غيره.

هذا آخر ما يتعلق بالجهاد، والبحث فيه طويل، ولكننا اقتصرنا على الذي ذكر في هذا المتن، وبه يتضح المقام إن شاء الله.