للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام التيمم]

قرأنا في الدرس الماضي فروض الوضوء: ومنها مسح جميع الرأس، وذكرنا الأدلة على ذلك، وأدلة من اكتفى بمسح بعضه، وبينا أنها لا تصلح دليلاً، وذكرنا كذلك التسمية، ودليل من جعلها واجبة، والأحاديث التي فيها وإن لم تبلغ درجة الصحة بمفردها فإنهم يحتجون بمجموعها.

وقرأنا أيضاً المسح على الخفين، وفيه الخلاف في ابتداء المدة: هل مدة المسح تبدأ من أول حدث أو من أول مسح؟ على قولين، والمختار: أنه من أول حدث؛ وذلك لأنه حينئذٍ يكون أهلاً للمسح، ومن اختار أنه من أول مسح فلهم اختيارهم.

ومر بنا أيضاً: أن العاصي بسفره كالمقيم في مدته، وهذا اختيار كثير من الفقهاء.

والقول الثاني: أنه كالمسافر يمسح ثلاثة أيام ولو كان عاصياً بسفره.

وذكرنا الخلاف فيما إذا تمت مدة المسح وهو على طهارة: هل ينتقض وضوءه أم يبقى؟ والمختار أنه ينتقض إذا تمت المدة التي هي يوم وليلة وهو على طهارة، ورجّح البعض أنه يبقى على طهارته حتى ينتقض الوضوء، والذي اختاره أكثر الفقهاء أنه ينتقض وضوءه، ويصير كأنه لم يغسل قدميه؛ لأن المسح عليهما قد بطل مفعوله.

ومرّ بنا أيضاً: أن من النواقض الخارج النجس من البدن إذا كان كثيراً غير بول أو غائط كالدم والقيء والصديد، وانعقد الاتفاق على أنها نجسة، فالصحيح أن خروجها ناقض، مع خلاف موجود في ذلك.

وكذلك مر بنا الخلاف في لحم الإبل، هل ينقض أو لا؟ والمختار أنه ينقض خلافاً للشافعية ونحوهم، وقد ورد فيه حديثان: حديث عن البراء وحديث عن جابر بن سمرة، ولا عذر في ترك العمل بهما.

وكذلك ذكرنا الخلاف في مس الفرج، في مس الرجل ذكره أو الأنثى قبلها، وفيه ثلاثة أقوال: قول: أنه ناقضٌ مطلقاً إذا كان بدون حائل.

وقول: أنه لا ينقض مطلقاً.

وقول: أنه ينقض إذا أثار الشهوة.

والاحتياط: أنه يتوضأ، ويعفى عنه إذا كان من غير قصد كما في الاغتسال، أو كان اللمس برءوس الأصابع أو بظهرها أو نحو ذلك.

ومرّ بنا في موجبات الغسل الخلاف في تغييب الحشفة في الفرج هل ينقض أو لا؟ فالجمهور على أنه يوجب الغسل.

وقد قع فيه خلاف بين الصحابة: فذهب بعضهم: إلى أنه لا ينقض إلا بالإنزال، لحديث: (إنما الماء من الماء) ، والآخرون رجحوا أن هذا منسوخ، ذكر ذلك المحققون كما في شرح الزركشي وغيره.

ومر معنا الخلاف في إسلام الكافر: هل يوجب الغسل أو لا؟ والصحيح: أنه يلزمه الغسل؛ وذلك لأنه قبل إسلامه نجس معنوياً.

ومر بنا ذكر الأغسال المستحبة، وهي كثيرة كما ذكرنا.

وكذلك نقض المرأة شعرها للغسل من الحيض أو النفاس، وفيه أيضاً خلاف، والمختار: أنها تنقض؛ وذلك لأنه حدث كبير، ولأنه يحتاج إلى تنظيف زائد، ولا يحصل هذا بمجرد الاغتسال.

ومر بنا ذكر مقدار الغسل، وأنه يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد من البر: ملء كفين متوسطتين مجموعتين، وقدر ذلك من الماء؛ لأن الماء لا يكون له علاوة، بخلاف البر فإنه يكون له علاوة فوق اليدين، وكره الإسراف، يعني: الإكثار من صب الماء؛ لعموم الأدلة في النهي عن الإسراف مطلقاً.

هذه أهم المسائل الخلافية التي مرت في الدرس الماضي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: يصح التيمم بتراب طهور مباح له غبار إذا عدم الماء لحبس أو غيره، أو خيف باستعماله ضررٌ ببدنٍ أو مال أو غيرهما، ويفعل عن كل ما يفعل بالماء سوى نجاسة على غير بدنٍ إذا دخل وقت فرض وأبيح غيره، وإن وجد ماءً لا يكفي طهارته استعمله ثم تيمم، ويتيمم للجرح عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، ويغسل الصحيح، وطلب الماء شرط، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد.

وفروضه: مسح وجهه، ويديه إلى كوعيه، وفي أصغر ترتيب وموالاة أيضاً.

ونية الاستباحة شرط لما يتيمم له، ولا يصلي به فرضاً إن نوى نفلاً أو أطلق.

ويبطل بخروج الوقت، ومبطلات الوضوء، وبوجود ماء تيمم لفقده.

وسن لراجيه تأخير لآخر وقت مختار، ومن عدم الماء والتراب أو لم يمكنه استعمالهما صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا إعادة، ويقتصر على مجزئ، ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنباً.

فصل: تطهر أرض ونحوها بإزالة عين النجاسة وأثرها بالماء، وبول غلام إن لم يأكل طعاماً بشهوة، وقيئه بغمره به، وغيرهما بسبع غسلات، أحدها بتراب ونحوه في نجاسة كلب وخنزير فقط مع زوالها، ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزاً، وتطهر خمرة انقلبت بنفسها خلاً، وكذا دنها، لا دهن ومتشرب نجاسة.

وعفي في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس ونحوه، من حيوان طاهر لا دم سبيل إلا من حيض، وما لا نفس له سائله، وقمل وبراغيث وبعوض ونحوها طاهرة مطلقاً، ومائع مسكر، وما لا يؤكل من طير وبهائم مما فوق الهر خلقة، ولبن ومني من غير آدمي.

وبول وروث ونحوها من غير مأكول اللحم نجسة، ومنه طاهرة، كمما لا دم له سائل.

ويعفى عن يسير طين شارع عرفاً إن علمت نجاسته، وإلا فطاهر.

فصل في الحيض: لا حيض مع حمل، ولا بعد خمسين سنة، ولا قبل تمام تسع سنين، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر، وغالبه ست أو سبع، وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر، ولا حد لأكثره، وحرم عليها فعل صلاة وصوم، ويلزمها قضاؤه، ويجب بوطئها في الفرج دينار أو نصفه كفارة، وتباح المباشرة فيما دونه.

والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي، فإن لم يجاوز دمها أكثره اغتسلت أيضاً إذا انقطع، فإن تكرر ثلاثاً فهو حيض تقضي ما وجب فيه، وإن أيست قبله أولم يعد فلا، وإن جاوزه فمستحاضة، تجلس المتميزة إن كان وصلح في الشهر الثاني، وإلا أقل الحيض حتى تتكرر استحاضتها، ثم غالبه، ومستحاضة معتادة تقدم عادتها، ويلزمها ونحوها غسل المحل وعصبه، والوضوء لكل صلاة إن خرج شيء، ونية الاستباحة، وحرم وطؤها إلا مع خوف زنا.

وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً، والنقاء زمنه طهر، يكره الوطء فيه، وهو كحيض في أحكامه، غير عدة وبلوغ] .

هذا شيء من تتمة أحكام الطهارة، والطهارة بالماء هي الأصل، ولكن قد يشق تحصيل الماء أو استعماله، فأبيح أن يتيمم بدل الطهارة بالماء.