للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التصرف في المبيع مدة الخيار]

قوله: (ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما) ، أي: مدة الخيارين، خيار الشرط وخيار المجلس، لا يصح التصرف في مبيع وعوضه، مثال تصرف البائع: إذا قال: الخيار لي في هذه الدار، فلي أن أهدم هذا الجدار، ولي أن أغير هذه الزاوية.

فليس له التصرف، وكذلك المشتري، لو قال: لي الخيار، وأريد أن أزيد فيها كذا، وأريد أن أصلح فيها كذا، ليس له ذلك، إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فتصرفه دليل على قبوله، وإسقاط الشرط، فلو أنه سبل البيت، والخيار له؛ لزم العقد، وأصبح البيت موقوفاً، فليس له الرد بعد ذلك؛ لأنه تصرف فيه، وأخرجه من ملكه حيث جعله وقفاً، ولو كتب على الكتاب: وقف لله تعالى؛ لزم البيع، ولم يتمكن من الرد.

وإذا كان الخيار للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف، ولا يصح، فلو كتب على الكتاب: وقف، وندم البائع، استرده وأبطل الوقفية، وكذلك لو كان المبيع بيتاً أوقفه، وكذلك لو كان المبيع شاة فباعها المشتري، لم يصح البيع؛ لأن علاقة البائع لم تنقطع، فلابد أن يستردها إذا ندم، فلا يصح أن يتصرف فيها المشتري حتى تنقضي مدة الخيار.

وكذلك لا يتصرف البائع في العوض إذا كان معيناً، كأن يقول -مثلاً-: بعتك الشاة بهذا الكيس.

فالمبيع هو الشاة، والثمن هو الكيس، فأنت أيها البائع لا تتصرف في الكيس، وأنت أيها المشتري لا تتصرف في الشاة حتى تنقضي مدة خيار شرط، فلا يتصرف كل منهما فيما صار إليه.

أما إذا كان العوض دراهم، فالدراهم يقوم بعضها مقام بعض، فله أن يتصرف فيها، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الشاة بهذه المائة ورقة واحدة.

ثم ندم بعد ذلك المشتري وقال: رد علي دراهمي، أعطيتك ورقة فئة مائة.

فقال: الورقة صرفتها، أو تصرفت فيها، ولكن خذ عشر ورقات فئة عشرة.

فإنه يقبلها، أو خذ ورقتين فئة خمسين.

فإنه يقبلها؛ وذلك لأنه لا فرق بين هذه وهذه.

واستثنوا تصرف المشتري في العبد إذا أعتقه المشتري فإنه يعتق على الصحيح؛ وذلك لأن الشرع يتشوف إلى العتق، والقول الثاني: أنه لا ينفذ ولا يعتق؛ لأنه تصرف في شيء ليس مختصاً به، فربما يندم البائع ويقول: رد علي عبدي، فإذا قال: أعتقته، فسيقول: تعتقه وأنا قد اشترطت أن لي الخيار؟ وأنا الآن ندمت ولا أستغني عن عبدي.

فيكون العتق في هذه الحال لاغياً.

أما إذا كان الخيار للمشتري، كأن قال: اشتريت العبد بألف، ولي الخيار شهراً، ثم أعتقه، والبائع ليس له خيار، فإنه يعتق.

وكذلك تصرف المشتري إذا كان الخيار له وحده، فإنه يصح، فلو ذبح الشاة سقط خياره، ولا يصح له أن يذبحها والبائع قد اشترط الخيار، أما إذا كان البائع ليس له خيار والخيار للمشتري، كما لو اشترى الشاة بمائة، ثم إنه شرط الخيار خمسة أيام، وذبح الشاة في اليوم الثاني، بطل خياره ولزم البيع.