للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خيار التخبير بالثمن]

النوع السادس: خيار التخبير بالثمن، أي: الإخبار، كثير من المشترين يبنون في الشراء على ثمن البائع، فيقول: بكم اشتريت هذه الكتب؟ فيقول: اشريت الكتاب بثمانية.

فيقول: أنا أفيدك ريالاً وأشتريها بتسعة، ثم تبين أن البائع اشترى الكتاب بستة، وأنه كذب، وقال: اشتريته بثمانية، فيثبت لك الخيار؛ لأنك اشتريت الكتاب بتسعة على أنك فوت في كل كتاب ريالاً، ولا شك أن هذا هو الفائدة من السؤال لك عن الثمن، فإذا كذب عليك وقال: اشتريتها بثمانية، والحقيقة أنه اشترى بستة، فإن لك الخيار إذا بان أنه زاد عليك، ويحدث هذا كثيراً، فإذا اشترى إنسان غنماً، فجاء إليه آخر وقال: أنا أفيدك في كل شاة عشرة.

أو قال -مثلاً-: أشركني، أنا أدخل معك بالشراكة في هذه الغنم أو هذه الأكياس، فكذب عليه وقال: الشاة بمائة أو الكيس بمائة.

فأعطاه في كل شاة عشرة ريال فائدة أو في كل كيس، أو اشترك معه وأخذ نصف الغنم أو نصف الأكياس، ثم تبين أن البائع كذب عليه، وأنه اشترى كل شاة بثمانين، أو كل كيس بثمانين، ففي هذه الحال للمشتري الخيار؛ لأنه تبين أن الثمن أكثر مما اشتراه، وأنه أخبره بأكثر مما اشترى به، وكيف تشتري بثمانين وتقول أنك اشتريته بمائة؟! أخطأت، وأنا عاملتك على أنك اشتريت بالمائة، وأعطيتك في كل شاة أو في كل كيس عشرة، فأنا اشتريت منك الكيس بمائة وعشرة، وتبين عندما بحثنا أنك اشتريت الكيس بثمانين، فالخيار لي، رد علي دراهمي.

ويمكن أن يصطلحا فيقول: أسقط عنك العشرين التي زدتها، فأنا اشتريته بثمانين فيصير الثمن بتسعين، بدلاً مما كان بمائة وعشرة، فإذا تراضيا على ذلك جاز.

وكذلك إذا لم يخبره بأن الثمن مؤجل، فإذا قال -مثلاً-: بكم اشتريت الغنم؟ قال: اشتريت كل شاة بمائة -أو الأكياس- وهو صادق، ولكنه اشتراها بثمن مؤجل يحل بعد سنة، فأنت اعتقدت أنه اشتراها بثمن النقد، فأعطيته فائدة في كل كيس عشرة، ولما علمت بأن الثمن مؤجل، والمؤجل عادة يزاد فيه، ولو كان نقداً لكان الكيس بثمانين، ولكنه اشتراه بمائة لأجل الأجل، فاشتراها بمائة لمدة سنة، ففي هذه الحال ماذا نفعل؟ الصحيح أن للمشتري الخيار، فيردها ويأخذ دراهمه، وبعض العلماء يقول: إذا كان الثمن مؤجلاً فيؤجل على المشتري.

لكن قد يقول: أنا لا أعرفك يا مشتري، فكيف أؤجله عليك؟ أو يقول المشتري: أنا لا حاجة لي في التأجيل، دراهمي موجودة، ولا أحب الدين.

ففي هذه الحال له الخيار: إما أن يسقط عنه ويقول: ثمنها حالة ثمانون، وأنت اشتريتها بمائة لأجل الأجل، فأشتريها بالثمانين وأعطيك فائدة، هذا هو خيار التخبير.

وكذلك إذا تبين أنه اشتراها ممن لا تقبل شهادته له، فله الخيار؛ وذلك لأن العادة أنه يزيد في الثمن؛ لأجل مصلحة ولده، إذا قال: بكم اشتريت الغنم أو الأكياس؟ فقال: كل كيس بمائة، فأعطيته في كل كيس أو في كل شاة فائدة عشرة، ثم اتضح أنه اشتراها من ولده أو اشتراها من أبيه، وزاد في الثمن لمصلحة والده أو لمصلحة ولده، وهي لا تساوي إلا ثمانين، ولكن قال: الزيادة عند والدي أو عند ولدي لا تهم.

فأخبرك وقال: نعم، اشتريتها بمائة.

وهو صادق، ولكنه ما اشتراها من ولده، وزاد فيها لمصلحة الولد أو لمصلحة الوالد أو الأخ أو نحوهم ممن لا تقبل شهادتهم له، أو اشتراها من زوجته وزاد في الثمن، ولم يخبر المشتري، فلك الخيار، فإذا قال: أنا اشتريتها بمائة.

وهو صادق، ولكنها لا تساوي إلا ثمانين؛ لأنه زاد في الثمن لأجل مصلحة ولده أو والده أو نحوهما، فيثبت الخيار للمشتري والحال هذه.

وكذلك إذا اشتراها بأكثر من ثمنها حيلة، ويقع هذا حيلة، فمثلاً: إذا قال: إن فلاناً التاجر بحاجة إلى بيتك هذا، فأنا سوف أشتريه منك بخمسمائة ألف، وهو لا يساوي إلا أربعمائة، حتى آتي إلى هذا التاجر وأقول: أبيعك البيت برأس مالي، أو أبيعك البيت بفائدة خمسين ألفاً أو مائة ألف، وأحلف له أني اشتريتها بخمسمائة وأنا صادق، والبيت لا يساوي إلا أربعمائة، ولكن نحتال حتى نربح على هذا التاجر الذي لا يهمه الثمن لكثرة أمواله، فهذه حيلة، فإذا اتضح للمشتري أنها حيلة فإنه يسترد الثمن ويرد المبيع، أو يشتريه بما يساويه، وبذلك يعلم أن كل حيلة لا تنفذ، والحيل مهنة يلجأ إليها كثير من المحتالين، يقول بعضهم: واحتل على حل العقود وفسخها من أصلها وذاك ذو الإشكال إلا على المحتال فهو طبيبها يا محنة الأديان بالمحتال فحل العقد الذي بين اثنين -مثلاً- أو فسخه يصعب، لكن يأتون بحيل من هنا وهناك.

وكذلك لو باع بعضه بقسطه من الثمن، ولم يبين ذلك، فللمشتري الخيار، أحياناً يشتري غنماً، كل شاة -مثلاً- بمائة، وهي تختلف، بعضها يساوي خمسين، وبعضها مائتين، فيبيع بمائتين ومائة وخمسين وبمائة وثمانين، وإذا بقي رديئها، وجئت إليه، حلف لك أنه اشتراها كل شاة بمائة، وهو صادق، ولكن باع خيارها ولم يبق إلا رديئها، ففي هذه الحال لابد أن يخبر، ويقول: أنا اشتريتها كل شاة بمائة، ولكن بعت بعضها بقسطه، وبعتها بما تيسر.

وهكذا يفعل كثير من الذين يبيعون الفواكه أو الخضار ونحوها، يشتري -مثلاً- البطيخ كل حبة بثلاثة، ثم يبيع بعضها بعشرة، وبعضها بثمانية، وبعضها بسبعة، وبعضها بخمسة، فيبيع خيارها، فيأتي إليه آخر وقد بقي عنده رديئها، فيحلف أنه اشترى كل واحدة بثلاثة، وهو صادق، ولكنه ما أخبر بالحقيقة، فيقلده ويصدقه هذا، ويقول: اشتريت منك برأس مالك، أو أعطيك ريالاً فائدة في كل حبة.

ففي هذه الحال له الخيار إذا تبين له أنه لم يبين له، ولم يقل: هذا رديء، بعت بعشرة، وبعت بعشرين، وهذا الباقي قد لا تساوي الواحدة إلا ريالاً أو ريالين أو نصف ريال، فالحاصل أن في هذه الأشياء الخيار.