للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحجر على المدين]

إذا كان عنده مال، ولكن ماله أقل من دينه، عنده مثلاً ما يساوي عشرة آلاف: أمتعة وعروض ونقود وسلع، والديون التي في ذمته تساوي عشرين ألفاً، ففي هذه الحال يحجر عليه، أي: يمنع من التصرف في هذا المال الذي في يده، ويمنع أن يبيعه أحداً أو يشتري منه، فتوقف أمواله التي في يده فلا يبيع شيئاً منها، لا شاةً ولا بعيراً، لا كيساً ولا ثوباً ولا قدراً، ولا شيئاً مما في يده، فيقال: لا أحد يشتري منه، ولا أحد يبيعه بدين، وتحصر ديونه التي في ذمته، وإذا حصرت وكانت -مثلاً- عشرين ألفاً كلها حالة، وأهلها يطالبون بها، ففي هذه الحال يحجر عليه إذا طلبوا وقالوا: احجر عليه يا حاكم، وامنعه من أن يتصرف في ماله.

ويسن إعلان الحجر، أي: إظهاره وإشهاره وإعلانه؛ حتى يتوقف الناس عن البيع له، أو عن الشراء منه، ولا يمكن تصرفه في ماله بعد الحجر، ولو باع كيساً أو شاةً ما نفذ البيع، بل يرد البيع، ويقال: لا يجوز لك أن تبيع، ولا يجوز لكم أن تشتروا منه، وكذلك لا يقبل إقراره عليه، فلو قال مثلاً: هذه الشاة لزوجتي، وهذا البعير لأبي، وهذه الأكياس لأخي، وليس لي منها شيء، فلا يقبل منه ذلك، إذ الأصل أن ما في يده فإنه ملكه، أما إذا اعترف في ذمته، فقال: في ذمتي لزيد مائة، وفي ذمتي لخالد مائتان، فاعترافه بعد الحجر يثبت، ولكن هؤلاء الذين اعترف لهم لا يعطون من هذه الأموال الموجودة، مخافة أنه ما أراد بالاعتراف إلا إضرار الغرماء حيث اشتكوه، وحيث كلفوا الحاكم أن يحجر عليه، فهذا بلا شك ضرر عليه، وضرر على غرمائه، فيحجر عليه ثم تصفى أمواله.

ثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان جواداً سخياً كريماً، فكان ينفق ما عنده من الأموال، فكثر دينه، وقلت أمواله، فعند ذلك طلب النبي صلى الله عليه وسلم من غرمائه أن يضعوا عنه أو يسمحوا عنه، فلو كانوا تاركين لأحدٍ شيئاً لتركوا لـ معاذ لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم امتنعوا؛ لأنهم ذوو حاجة؛ ولأن أموالهم عواري أو بضائع لغيرهم، أو شركات، أو لأموات، أو لأيتام، فلم يضعوا شيئاً، ولم يتسامحوا عنه بشيء، فعند ذلك حجر النبي صلى الله عليه وسلم أمواله التي في يده كلها وباعها، ووزعها على الغرماء بالنسبة، ثم بعد ذلك أراد أن يجبره فبعثه على الزكاة والجزية إلى اليمن؛ ليصيب من سهم العاملين عليها، فبعثه لجبرانه لما حصل عليه.

فهذا دليل على أن من كثر دينه فإن لأهل الدين أن يمنعوه من التصرف بواسطة الحاكم، وأن للحاكم أن يمنعه من أن يتصرف في أمواله التي في يده، ثم يجمعها ويعرضها للبيع، ويبيعها.