للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأشياء التي لا تصح الإجارة فيها]

ثم ذكر المصنف الشرط الثاني: وهو إباحتها، وذكر في التعليق الأشياء التي لا تباح إجارتها يقول: فلا تصح الإجارة على الزنا والزمر والغناء، ولا على التياتو -يعني: الضرب بالأدوات التي فيها ملاهي من الأوتار وما أشبهها- ولا على النياحة، ولا على إيجار الدار أو الحانوت لبيع الخمر أو القمار، سواء شرط ذلك في العقد أم لا؛ لأن هذه محرمةٌ شرعاً، ولا يجوز أن يستأجر الأمةَ ليزني بها، وهي مملوكة لغيره، فيقول: أجرني هذه الأمة مدةَ شهر أستمتع بها أو يقول للمرأة: أجريني نفسكِ لفعل الزنا، هذا حرام، وأجرتها حرام، وقد حرمها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مهر البغي خبيث أو سحت) ومهرُ البغي: هو ما يبذل للبغي الزانية مقابل تمكينها من الزنا بها، فهذه المنفعة محرمة.

وكذلك الزمر -يعني: المزامير التي ينفخ فيها ويكون لها صوت-، وكذلك استئجار الطبول ليتلذذ بها؛ فإنها أيضاً: ملحقةٌ بالمزامير التي هي محرمة، واستئجار المغني أو المغنية يعتبر أيضاً: منفعةً محرمة.

وكانوا قديماً يعلِّمون الأمةَ الغناء، فإذا تعلمت الغناء وصارت مطربةً ومغنيةً ارتفع ثمنها، وزيد فيها عند البيع إذا قيل: إنها مغنية، فكان العلماء يحرمون هذه الزيادة، ويقولون لبائعها: لا تبعها على أنها مغنية، بعها على أنها ساذجة جاهلة لا تعرف شيئاً، فإذا بعتها بألف، وزيد ثمنها لأجل غناها؛ فإن تلك الزيادة محرمةٌ عليك، فإذا كان هذا في بيعها، فكذلك في إجارتها، فالذين يؤجرون أنفسهم للطرب والغناء والتلحين والفن وما أشبه ذلك؛ هذه الأجرةُ حرام، واستئجار المغنين والمطربين ونحوهم حرامٌ، وما يدفعُ لهم حرام، وسماع أصواتهم حرام، فالغناء حرام بجميع أنواعه، سواءً بواسطة أشرطة الكاسيت، أو أشرطة الفيديو التي فيها شيء من الغناء والطرب، ويحرم تأجيرها، كما أنه حرامٌ بيعها.

وكذلك: أدوات اللهو واللعب التي تستعمل للطرب، مثل: الطبول التي تضرب في الأفراح ونحوها، ويستثنى ما رخص فيه، وهو الدف لقوله عليه السلام: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) ، وهو: الذي ختمت جهةٌ منه، ولم تختم الثانية، أما الطبل فإنه مختومٌ من الجهتين، وإذا ضرب سمع له طنينٌ مطرب، فلذلك: لا يجوز بيع الطبول وما أشبهها، ولا تجوز إجارتها.

وكذلك: استئجار النائحة، فهناك نساءٌ يعرفن النياحة، فيتعلمن الندب والنياحة والصياح وتعداد محاسن الميت، كقولهم: وا محمداه! وا إبراهيماه! وا مطعماه! وا كاسياه! وا أخواه! وا ولداه! ففعلهن هذا يسبب الحزن والبكاء والصراخ، فأجرتهن واستئجارهن محرم.

وكذلك استئجار الدار أو الحانوت لبيع الخمور؛ وذلك لأنه حرم ثمنه، فتحرم أجرته، والذين يؤجرونهم لا شك أنهم شركاء لهم في الإثم، ويدخلون في قوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] ، وهكذا تأجيره على من يحلق اللحى، فإن ذلك محرمٌ، أما إذا كان يحلق الرأس مثلاً فلا بأس؛ لأن حلق الرأس من المباحات.

وكذلك الخياطون، إذا كان الخياط يخيط للنساء الملابس الضيقة فإنه يدخل في الوعيد، فإذا استأجر دكانه الخياط، فعليه أن يشترط عليه ألا يخيط الثياب الضيقة ولا الشفافة ولا القصيرة التي يتبين منها شيءٌ من أعضاء المرأة، وكذلك أيضاً: الثياب الزائدة بالنسبة للرجال التي فيها إسبال إلى تحت الكعبين فهذه أجرتها محرمة، فإذا استأجر منه الخياط اشترط عليه ألا يعمل مثل هذه الأعمال.

وهكذا أيضاً: إذا استأجره للبيع، فيشترط عليه ألا يبيع أجهزة الأغاني كالأشرطة المحرمة، وكذلك أدواتها المحرمة كالطبول وما أشبهها.

وهكذا الذين يستأجرونها للعب المحرم، فهناك من يعمل ما يسمى بالاستراحات، ثم يؤجرونها على أناس وفيها الخمور أو الدخان والشيش وما أشبهها، ويلعبون فيها طوال ليلهم بما يسمى بالزنجفة أو البلوت يعني: الأوراق التي هي لهو، فيلعبون فيها إلى آخر الليل، ويتركون الصلوات: مغرباً وعشاءً وفجراً، فنرى أن هؤلاء قد أعانوهم على الإثم والعدوان، فليتنبهوا لمثل ذلك، فلابد أن تكون العين مباحة، والمنفعة مباحة، ولا يشترط أن تكون العين التي فيها المنفعة نفسها مباحة، إنما اشترطوا إباحة المنفعة، فمثلاً: الحمار لا يؤكل، ولكن يؤجر للحمل عليه، أو ليركب وما أشبه ذلك.

وأما إذا كانت العين مباحة المنفعة كركوب الخيل والحمر والأواني، فإنه يصح التأجير لها، والعين التي لا تباح منفعتها، ولا يباح ثمنها كالكلب لا يصح تأجيره.

وتقدم أنه لا يصح أن يباع -مثلاً- العصير لمن يعمله خمراً، وهكذا أيضاً: لا يؤجر عليه -إذا كان يعمل خمراً- قدوراً أو أدوات وقود كآلات الطبخ، والوقود الذي هو (البوتجاز) لا يجوز تأجيره على من يستعين به على عمل محرم.