للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أنواع الإجارة]

ذكر المؤلف أن الإجارة ضربان: أولاً: إجارة العين، والثاني: عقدٌ على منفعة في الذمة، فإجارة العين: هي أن يتعاقد على استيفاء المنفعة من هذه العين التي هي معينة أو موصوفةٌ في الذمة، فإذا كان فيها منفعة فإنها تصلح إجارتها، ويشترط لهذا الإجارة شروط: الشرط الأول: معرفة العين، وإن كانت غير معينة فلابد أن توصف وصفاً دقيقاً، فإذا استأجر منه داراً فلابد أن يراها، ويكفي أن توصف له وصفاً كاملاً، يقال مثلاً: سعتها كذا وكذا متراً مربعاً، وارتفاع سقفها كذا، وفيها من الغرف كذا، وفيها من المستحمات كذا وكذا، وتوصف الصهاريج ونحوها، وفيها من المجالس كذا، ومن السطوح كذا، ويذكر نوع بنائها، ونوع بلاطها، وما فيها من المرافق والمكيفات وما أشبه ذلك، فإذا وصفت وصفاً دقيقاً صح عقد الإجارة عليها وإن لم يرها.

كذلك: إذا استأجر دابةً للركوب فلابد أن توصف له، فيوصف له الفرس أنه قويٌ، وأنه سمين، وأنه ثابتٌ، وأنه مذلل، أو توصف له الناقة أو الجمل، وكذلك المراكب الجديدة، فتوصف له السيارة التي يريد أن يستأجرها يومياً أو إلى مكان معين أنها تتحمل كذا، وأنها من نوع كذا وكذا.

وهكذا: إذا استأجر ثوباً ولم يره صح أن يوصف له بأنه ثوب من صوف أو من قطن طوله كذا، جديد أو مستعمل، وإذا استأجر كتاباً ليقرأ فيه، أو قدراً ليطبخ فيه، أو كأساً ليشرب فيه أو ما أشبه ذلك؛ فلابد أن يعرفه معاينة أو يوصف له وصفاً دقيقاً.

الشرط الثاني: القدرة على التسليم، فلا يصح أن يؤجره جملاً شارداً ولا عبداً آبقاً؛ لأنه لا يقدر على تسليمه، إلا إذا كان بالإمكان القدرة عليه، فإذا قدر على أن يدركه بالسيارة ويقبض عليه بأن كان في محيط؛ فلا بأس بذلك.

الشرط الثالث: العقد على نفعها دون أجزائها إلا في الظئر، فقد عرفنا أن العقد فيها هو على شيء من أجزائها وهو لبنها، ويلحق بها أيضاً: ذوات اللبن، فيصح أن تستأجر شاةً لتحلبها، مع أن المنفعة جزءٌ من أجزائها، وكذا البقرة أو الناقة تستأجرها لأجل أن تشرب لبنها، وتكون الأجرة عليك؛ وذلك لأن التفاوت فيه يسير، فأما بقية الأدوات فإن الأجرة تكون على النفع لا على الأجزاء؛ وذلك لأن الأجزاء تهلك بالاستعمال، فمثلاً: لا يقول: أجرني هذا الكيس -كيس بر مثلاً- لآكل منه ثم أرده، فإن هذا لا يسمى انتفاعاً بالعين، بل استهلاكاً لها، وكل شيء يهلك بالاستعمال لا يستأجر، فلا يستأجر -مثلاً- التفاح لأجل أن يؤكل أو نحوه، ولا الطيب والعود لأجل أن يتطيب به؛ لأنه يتلف بالاستعمال، وأجاز بعضهم استئجاره للشم إذا كانت له رائحةٌ عطرة يقول مثلاً: رائحته عطرة، أجرنيه يوماً أتلذذ بشمه، ثم أرده عليك بأجرة كذا وكذا، فمثل هذا منفعة، ولكن ليست مقصودةً عادة؛ وذلك لأن الأصل أنه يتلف، وهكذا الشمعة معلومٌ أنه إذا أوقد فيها فإنها تتلف، فهل يجوز استئجارها لأجل أن يوقدها؟ لا يجوز؛ وذلك لأنها تتلف بالاستعمال، ويجوز استئجار السراج، ويكون الوقود على المستأجر يجعل فيه وقوداً مثل (القاز) أو ما أشبه ذلك، ويستأجر المكيف ليتبرد به، ثم يرده، أو يستأجر الأنوار الكهربائية ليستنير بها يوماً -مثلاً- ثم يردها، فهذه منفعتها مباحة، أو يستأجر -مثلاً- المكبر أو يستأجر المسجل ليسجل فيه، ثم يرده، كل هذه منافعها مباحة، والأجرة على المنفعة لا على الأجزاء، وإذا كان يخلولق، جاز ذلك، فمعلوم أن الثوب يخلولق إذا لبس، ولكن صاحبه يأخذ أجرة منفعة الثوب في اللباس، ومنفعة الحذاء -مثلاً- بالانتعال، ومنفعة الفرش بالجلوس عليها، فالإجارة تكون على نفعها لا على أجزائها.

الشرط الرابع: أن تكون العين فيها منفعة مقصودة، فإذا كانت لا تشتمل على منفعة ولا فائدة فيها فلا تؤجر، فمثلاً: سيارةٌ خربة لا تصلح أن يركب فيها، ولا أن يقودها قائد، فهذه لا منفعة فيها، وكذلك: جمل هزيل، لا يمكن أن ينتفع به في حمل، ولا في ركوب؛ على أي شيء يستعمل؟! ليس هو محلوبٌ ولا مركوب! فلا فائدة في تأجيره، وكذلك مثلاً: إذا استأجر أرضاً سبخة ليزرعها! ما يمكن، ليس فيها منفعة ولا تزرع؛ لأن الأرض السبخة لا تنبت نباتاً كقوله في الحديث: (إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً) .

فالحاصل أنه لابد أن تكون فيها منفعة، فالدار فيها منفعة للسكنى، والدابةُ التي تركب فيها منفعة، والثوب فيه منفعة، والقدور فيها منفعة، والخيمة فيها منفعة، فأما الذي لا منفعة فيه فلا تصح إجارته.

الشرط الخامس: كونها ملكاً للمؤجر أو مأذوناً له فيها، أي: لابد أن يكون مالكاً لتلك العين أو مرخصاً له في تأجيرها، فلا يؤجر كتاب غيره، ولا قدر غيره، ولا بيت غيره، ولا سيارة غيره، حتى ولو رأى في ذلك مصلحة، لو رأى إنساناً محتاجاً للسيارة، وسوف يدفع أجرةً رفيعة كثيرة، ورأى أن جاره عنده سيارة واقفة، وأنه ليس بحاجة لها هذا اليوم أو هذه الأيام، فهل يقول: أتجرأ على جاري -ولو كان غائباً- وآخذ مفاتيح سيارته، وأؤجرها بأجرة رفيعة، لمصلحة جاري؟ ليس له ذلك؛ وذلك لأنه غير مأذون له، إلا إذا كان هناك إذن عام، بأن قال له جاره: متى رأيت مصلحةً مناسبةً فلا مانع من أن تتجرأ على ما يختص بنا، ولك الحرية في ذلك، فلابد أن يكون مالكاً للعين أو موكلاً مأذوناً له فيها.