للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب ضلال الخلف: جهلهم وسوء ظنهم بمنهج السلف]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: قال رحمه الله: [فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف؛ إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:٧٨] ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.

فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى؛ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى - وهي التي يسمونها طريقة السلف - وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف - وهي التي يسمونها طريقة الخلف - فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه.

فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكاذبتين الكفريتين، كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله!] .

<<  <  ج: ص:  >  >>