للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الناس في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم]

ثم إن الشيخ رحمه الله قسم الناس في اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أقسام: منهم من يتابع النبي صلى الله عليه وسلم في الباطن والظاهر، ومنهم: من يتابعه في الباطن دون الظاهر، ومنهم: من يتابعه في الظاهر دون الباطن، وأردأ هذه الأقسام هو من تابعه في الظاهر دون الباطن.

ثم قال: (والذين وافقوه ظاهراً وباطناً بحسب الإمكان) أي: بحسب ما تبين لهم مع عدم إصابتهم لما كان عليه صلى الله عليه وسلم, يعذرون فيما أخطئوا فيه، ويؤجرون فيما أصابوا فيه، ويكونوا من المجتهدين الذين تدور حالهم بين الأجر والأجرين, قال: (فلابد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصاً يذمونهم به، ويرمونهم به، ويسمونهم بأسماء مذمومة) كما ذكر رحمه الله.

ثم فصل ما أجمل فيما تقدم فقال: (كقول الروافض: من لم يبغض أبا بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه فقد أبغض علياً؛ لأنه لا ولاية لـ علي إلا بالبراءة منهما) وهذا كذب وتلازم باطل، فالصحابة وأهل السنة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين يحبون أبا بكر وعمر، ويحبون علياً ولا تعارض في الجمع بين محبة هؤلاء.

(ثم يجعل من أحب أبا بكر وعمر ناصبياً بناءً على هذه الملازمة الباطلة التي اعتقدها صحيحة أو عاند فيها وهو الغالب، وكقول القدرية: من اعتقد أن الله أراد الكائنات وخلق أفعال العباد فقد سلب من العبد الاختيار والقدرة، وجعلهم مجبورين كالجمادات التي لا إرادة لها ولا اختيار) والصواب خلاف هذا كما مر معنا في العقيدة الواسطية، فأهل السنة والجماعة يثبتون أن للمخلوق إرادة، ولكن هذه الإرادة لا تخرج عما أراده الله سبحانه وتعالى، والمخلوق له إرادة معتبرة ليست كالجمادات، وهذه الإرادة لا تخرج عما أراده الله جل وعلا وقدره.

قال: (وكقول الجهمي: من قال: إن الله فوق العرش فقد زعم أنه محصور) ؛ لأنه فوق العرش، وما كان فوق العرش فلا بد أن يكون محصوراً على زعمه، (وأنه جسم) لأن إثبات الاستواء يقتضي التجسيم, قال: (جسم مركب محدود) ؛ لأن العرش مركب محدود (وأنه مشابه لخلقه) ؛ كل هذه لوازم باطلة وخيالات فاسدة، إنما ألقاها في روعهم الشيطان الرجيم، الذي شبه عليهم بهذه الشبهات حتى يبعدهم عن طريق المرسلين (وكقول الجهمية المعتزلة: من قال: إن لله علماً وقدرة فقد زعم أنه جسم) ؛ لأنه لا يوصف بهذه الصفات إلا ما كان جسماً، (مركب) يعني: من أجزاء, وأنه مشبه، قال: (لأن هذه الصفات) وهذا تعليل ما ذكروه من لازم على إثبات العلم والقدرة، وسائر الصفات، (لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز، والجوهر هو حقيقة الشيء وذاته، والعرض هو ما ينتابه ويزول عنه) .

ثم قال: (وكل متحيز جسم مركب، أو جوهر فرد) يعني: كل جوهر ينقسم إلى قسمين مركب أو جوهر فرد, المركب: هو المركب من أجزاء، وهو ما كان من جوهرين فردين فما فوق، هذا المركب في اصطلاح المتكلمين, وأما الجوهر الفرد: فهو الشيء الذي لا يقبل القسمة, يعني: إذا جئت بجسم فقسمته وقسمته حتى وصلت إلى جزء لا يقبل القسمة فهذا يسمى عند المتكلمين جوهراً فرداً، يعني: لا يقبل القسمة (ومن قال ذلك فهو مشبه؛ لأن الأجسام متماثلة) .

ثم قال (ومن حكى عن الناس المقالات، وسماهم بهذه الأسماء المكذوبة، بناء على عقيدتهم التي هم مخالفون فيها فهو وربه) يعني: الله حسيبه، والله جل وعلا على ما يقول رقيب، وهو على ما يقول شهيد، وينبغي على العبد أن يتأنى، وأن يطلب الصواب، وألا يتهم الآخرين الموافقين للكتاب والسنة بهذه التهم الباطلة.

ثم قال: (والله من ورائه بالمرصاد {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلابِأَهْلِهِ} وهذا واقع، فإن الذين اتهموا أهل السنة بما اتهموهم به رجعوا إلى طريق أهل السنة والجماعة، هذا في أئمتهم فضلاً عن صغارهم الذين يعدون من الأتباع، ولا عبرة بهم.

نقف على هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>