للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب السلف بين التعطيل والتمثيل]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أما بعد: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة: [ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله؛ فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العلى ويحرفوا الكلم عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته.

وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل؛ فهو جامع بين التعطيل والتمثيل: أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات؛ فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل، مثلوا أولاً وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى.

فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش؛ للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساوياً وكل ذلك من المحال، ونحو ذلك من الكلام؛ فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم.

أما استواء يليق بجلال الله تعالى ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها، كما يلزم من سائر الأجسام، وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع فإما أن يكون جوهراً أو عرضاً، وكلاهما محال؛ إذ لا يعقل موجود إلا هذان.

أو قوله: إذا كان مستوياً على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك؛ إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا، فإن كليهما مثَّل وكليهما عطَّل حقيقة ما وصف الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين.

والقول الفاصل: هو ما عليه الأمة الوسط، من أن الله مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير ونحو ذلك.

ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش، ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها] .

بعد أن ذكر الشيخ رحمه الله في هذا الفصل القاعدة الشاملة فيما يجب لله عز وجل في باب الأسماء والصفات، وذكر ذلك بعد الإجمال تفصيلاً، فبين رحمه الله في هذا المقطع أن أهل السنة والجماعة وسط بين أهل التعطيل وأهل التمثيل في باب أسماء الله وصفاته، فوسطية أهل السنة والجماعة بينة في هذا الباب؛ لأن كلاً من أهل التعطيل وأهل التمثيل نزع إلى جانب وغلا فيه.

فأهل التعطيل هم الذين أخلوا الله جل وعلا عما يجب له من الأسماء والصفات إما كلياً وإما جزيئاً لشبه عندهم.

وأهل التمثيل هم الذين قابلوهم فقالوا: كل ما أثبته الله لنفسه من الصفات فهو كما هي للمخلوق، فصفات الخالق كصفات المخلوق، فيده كيدنا، واستوائه كاستوائنا، وما إلى ذلك من الصفات التي أثبتها لنفسه وهي للمخلوق، فهؤلاء غلوا في جانب الإثبات.

وأهل السنة والجماعة بين هؤلاء فهم طريق وسط بين أهل الضلالات، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، وهذا فيه إشارة إلى القاعدة الكبرى في باب الأسماء والصفات وهي: أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنا نتفق جميعاً أن ذات الخالق جل وعلا ليست كذوات المخلوقين، فكذلك صفاته سبحانه وتعالى ليست كصفات المخلوقين، وهذا فيه أعظم الرد على أهل التعطيل وأهل التمثيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>