للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم جواز إطلاق القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله]

ثم قال: [ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه] لا يجوز إطلاق القول بأنه -أي: القرآن- حكاية عن كلام الله، وهذا إشارة إلى قول الكلابية فإنهم قالوا: القرآن حكاية عن كلام الله وليس هو كلام الله وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن المعنى من الله، وأما اللفظ فمن جبريل أو من الرسول.

وأما قوله: [أو عبارة عنه] هذا فيه الإشارة إلى عقيدة الأشاعرة، فإن الأشعري لم يرتض قول عبد الله بن كلاب في أن القرآن حكاية، وقال: إنما تكون الحكاية مثل المحكي، واللفظ الذي يتركب من حروف ليس مثل المعنى، فقال: لا أقول حكاية، قالوا له: ماذا تقول؟ قال: أقول: القرآن عبارة.

والحقيقة أن كلا القولين باطل وضلال، ما قاله الأشعري، وما قاله ابن كلاب، فكلا القولين ضلالة وخروج عن الصراط المستقيم، والواجب ما تقدم من كلام الشيخ، وهو الذي أجمع عليه السلف أن يقال: القرآن كلام الله، وماذا يضرنا إذا قلنا هذا؟ بل الضرر كل الضرر في مخالفة هذا؛ لأن مخالفة هذا هو مخالفة لما أفاده كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، بل وأجمعت عليه الأنبياء.

وبعد أن أشار المؤلف رحمه الله إلى طرق الضلالة في هذا الباب قال: [بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة] .

هل ما في المصاحف كلام الله؟ الجواب: نعم، كلام الله حقيقة وليس مجازاً، هل ما يقرأه القارئ كلام الله؟ الجواب: نعم، هو كلام الله حقيقة لا مجازاً، ولا أحد يقول: إن قراءة القارئ كلام الله؛ ويريد صوت القارئ، أو يريد حركة القارئ وما يكون منه من فعل في أثناء القراءة، بل كلام السلف على أن قراءة القارئ للقرآن: الكلام كلام الله، والصوت صوت القارئ، فالكلام كلام البارئ، والصوت صوت القارئ، وهذا لا يمكن أن يرد على العقل السليم خلافهما أو شبهة فيها، وإنما جاءت الشبهة من تشبيه هؤلاء؛ لما أجلبوا بخيلهم ورجلهم على ما دلت عليه النصوص.

ثم يبين المؤلف رحمه الله وجه كون إطلاق لفظ كلام الله على ما في المصاحف وعلى ما يقرأ، فيقول: [فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً] إذا قال القائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً) ، إذا قال القائل هذا القول هل هو كلام رسول الله أو لا؟ لا أحد ينكر أن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يريد أحد إذا قال: إن هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللفظ والصوت الحادث هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، فالمراد بوصف الكلام بأنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام المبلَّغ، لا صوت المبلِّغ، ولا حركة المبلِّغ، فإن هذا لا يرد على ذهن أحد، وهذا أمر مستقر بالفطر، يدركه كل أحد، المسلم والكافر، ولكن هؤلاء خالفوا الحقائق الواضحة والبينات الساطعة ليقرروا ما عندهم من انحرافات وبدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>