للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام]

قال رحمه الله: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ، ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ] .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل) إسماعيل هو ابن إبراهيم عليه السلام، (واصطفى من بني إسماعيل كنانة) ، وهو من بني إسماعيل عليه السلام، (واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، وهذا ترقي في الاصطفاء، وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم.

وسبب سياق هذا الحديث بيان منزلة بني هاشم في العرب، وأيضاً: بيان من هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم المؤلف رحمه الله: ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله، فمن هم؟ هم بنو هاشم: ولد العباس، وولد علي، وولد جعفر، وولد عقيل، هؤلاء هم أهل البيت الذين لهم حق لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، هؤلاء هم آله من نسبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

واعلم أن آله الذين لهم هذه الحقوق هم الذين تحرم عليهم الصدقة.

ومن آله أزواجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آله الذين لهم الحقوق السابقة من المحبة والتولي وحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؛ ولذلك أشار المؤلف رحمه الله إلى حقهم خصوصاً فقال: [ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين] .

وإفراد الحديث عنهن لا لأنهن لسن من آل البيت؛ بل لأنهن اختصصن بأمور زائدة على ما اختص به آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من نسبه، فأولئك كلهم آله من النسب، وهؤلاء آله بالزوجية، وقد دل القرآن الكريم على أن أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آله حيث قال جل وعلا في سياق الآيات التي فيها خطاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهن بما أمر جل وعلا: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:٣٣] وهذا لا إشكال أنه في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأمر بالطاعة في قوله: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} موجه إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخطاب مفتتح: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ} [الأحزاب:٣٢] ، فأزواجه من آله بنص القرآن.

وأما ما ورد في صحيح مسلم عن عائشة، وفي مسند الإمام أحمد عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم: (خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله في الرداء وغطاه في الرداء، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، وقال: هؤلاء هم أهل بيتي) ، وفي رواية: (اللهم! هؤلاء أهل بيتي فطهرهم تطهيراً) ، فهذا لا ينفي ما أثبته القرآن من كون أزواجه رضي الله عنهن من آله، فإن التخصيص لا يلغي ما دل عليه النص السابق، فهؤلاء لا شك أنهم من آله، ولم يختلف أهل الإسلام أن الحسن والحسين وعلياً وفاطمة رضي الله عنهم من آل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا خلاف في ذلك، ولكن هل هذا النص يفيد إلغاء هذا الوصف عن غيرهم؟ الجواب: لا، كيف لا؟ إذا قلت: لا، لا بد أن تبين، فنقول: إن القرآن كالصريح في أن أزواجه من آله؛ لأنه لما وجه الخطاب بأمر ونهي إلى أزواجه قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ، وهذا لا معنى له إذا لم يكن تعليلاً للأوامر السابقة، والأوامر السابقة موجهة إلى آل بيته من أزواجه، ثم إن القرآن دل على أن امرأة إبراهيم من آله، وأن امرأة لوط من آله، وهذا أمر معروف، فكيف يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من آله؟ هذا قصور في حقه صلى الله عليه وسلم.

إذاً: ثبت عندنا بالقرآن أن أزواجه من آله، فكيف نجيب عن هذا الحديث؟ نقول: هذا الحديث فيه إثبات أن أحق من وصف بهذا الوصف هم هؤلاء الذين أدخلهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الغطاء، فهم أحق من وصف بهذا الوصف؛ لأنهم آله من النسب، ولا يعني هذا نفي الحكم والوصف عن غيرهم، ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أول مسجد أسس على التقوى مسجده صلى الله عليه وسلم، فلما سئل عن قوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:١٠٨] قال: (هو مسجدي هذا) ، مع أن أهل التفسير متفقون على أن الآية نزلت في مسجد قباء فهل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلغاء لما هو ثابت من أن الآية نزلت في مسجد قباء، لا، ليس إلغاءً لكنه يفيد أن أحق ما وصف بهذا الوصف هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل كونه أحق يلغي هذا الوصف عن غيره؟ الجواب: لا؛ ولذلك نقول: لهذا نظائر، والمقصود من هذا الأسلوب: هو بيان أحقية المخصوص بالوصف، ففي حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هؤلاء أهل بيتي) ، وما فائدته؟ بيان أنهم أحق من وصف بهذا الوصف، لكن كونهم أحق لا يلغي هذا الوصف عن غيرهم؛ ولهذا نقول: لا خلاف بين الكتاب والسنة في أن أزواجه من آله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>