للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تضمنته السورة إثباتاً

هذه السورة تضمنت إثباتاً ونفياً، فالإثبات قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، فأثبتت هذه الآية لله سبحانه وتعالى الإلهية، وأثبتت له الأحدية، والإلهية تتعلق بالعبادة، والأحدية تتعلق بالعبادة وبالربوبية وبالأسماء والصفات، وهذا الاسم (الأحد) لم يرد ذكره في غير هذه السورة، وهذا مما اختصت به هذه السورة، ومن مزايا هذا الاسم من أسمائه سبحانه وتعالى أنه لا يسمى به غيره إلا في النفي، أما في الإثبات فلا يسمى به إلا الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:٢] فيه إثبات هذا الاسم له سبحانه وتعالى، والصمد تنوعت عبارات السلف في بيانه وشرحه وتفسيره، وأشهرها تفسيران: التفسير الأول -وهو الأكثر والأشهر في كتب المفسرين، والأكثر المنقول عن الصحابة والتابعين- تفسيره بأنه الذي لا جوف له، فهو مصمت سبحانه وتعالى، ونزه ربك عن المثال، أو عن تصور حقيقة هذه الصفة، فإنه لم يدر في خلد صحابة رسول الله ولا التابعين ولا سلف هذه الأمة التمثيل أو التشبيه، بل هم سائرون على ما تقدم تقريره من قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، فإثبات هذا المعنى لا يلزم منه أي محذور، ولا أي نقص في الرب سبحانه وتعالى، وإنما فسر بأنه لا جوف له لأنه الغني سبحانه وتعالى، وإنما احتاج غيره إلى الجوف لافتقاره إلى ما يغذيه، أو إلى ما تقوم حياته به، وهو سبحانه الصمد القائم بنفسه الغني عن كل أحد، فليس به حاجة إلى أحد سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥] .

التفسير الثاني للصمد -وهو الذي جاء في كلام بعض السلف، ورجحه كثير من المتأخرين- أنه السيد الذي تنزل به الحوائج، فيكون (الصمد) بمعنى (القيوم) ؛ لأن القيوم الذي يقوم على كل نفس بما كسبت، فلا قيام لنفس من أنفس بني آدم ومن أنفس غير بني آدم إلا به سبحانه وتعالى، فالمعنى الثاني: الصمد الذي تنزل به حوائج الخلق ويقضيها جل وعلا.

وهذان المعنيان هما بمعنى (القيوم) كما بينا في المعنى الثاني، وكذلك في المعنى الأول؛ لأنه القائم بنفسه المقيم لغيره.

وجمع آخرون بين هذين المعنيين لهذا الاسم العظيم فقالوا: إن الصمد هو الكامل في أوصافه، فله من العلم غايته، وله من الحلم نهايته، وله من كل صفة منتهاها، فلا فوق ما وصف به نفسه من الصفات، فله الغاية في كل صفة من أوصافه، وهذا المعنى ورد عن بعض السلف فقال: السيد الذي كمل في سؤدده، الحليم الذي كمل في حلمه، العليم الذي كمل في علمه، فيكون معنى الصمد: هو الكامل في أوصافه.

واعلم أن هذا الاسم من الأسماء الحسنى لم يرد ذكره في غير هذه السورة، فيكون ثاني اسم من الأسماء التي اختصت به هذه السورة التي بينت صفة الرحمن سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>