للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع المعية الثابتة لله تعالى]

واعلم أن المعية الثابتة له سبحانه وتعالى نوعان: معية عامة ومعية خاصة، المعية العامة مقتضاها وحكمها أنه سبحانه وتعالى بكل شيء عليم، وهو جل وعلا على كل شيء قدير، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء شهيد، هذا مقتضى المعية العامة، أما المعية الخاصة فمقتضاها يعينه السياق، ويدل عليه الموضع الذي وردت فيه، فالمعية ترد في مواضع، ويدل على معناها السياق في الموضع الذي وردت فيه؛ ولذلك لا تستغرب أن تكون في موضع المراد بها التهديد، وفي موضع المراد بها النصر والتأييد، وفي موضع يراد بها المعنى العام وهو الاطلاع والعلم وعدم خفاء حال الإنسان، وذلك أن المعية من حيث اللغة تفيد المصاحبة، ولكن هل من لازم المصاحبة المخالطة؟ الجواب: لا، ليس من لازم المصاحبة المخالطة؛ ولذلك تقول للشخص: أنا معك، وبينك وبينه مفاوز وقفار، والمراد بذلك المصاحبة في شيء ما، فلا يلزم من ثبوت معية الله عز وجل أي لازم باطل، كما سيأتي تفصيله وبيانه من كلام الشيخ وضرب الأمثلة في ذلك من كلام الشيخ رحمه الله فيما يأتي من تفصيل في هذه الرسالة المباركة.

قوله رحمه الله: (وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] هذا فيه ثبوت علوه سبحانه على عرشه، وهو علو خاص، ثم قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:٤] ، هذا فيه بيان سعة علمه جل وعلا، وأن علمه قد أحاط بكل شيء.

قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤] ، هذا فيه إثبات معيته، وحكم ومقتضى هذه المعية أنه لا تخفى عليه من أحوالنا خافية، ولذلك قال: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٤] ، فبين سبحانه وتعالى حكم هذه المعية ومقتضاها، وهو علمه بحال الإنسان، فمن قال من السلف: إن المعية المراد بها العلم إنما فسر المعية بحكمها ومقتضاها، وليس ذلك من التأويل الذي هو تحريف اللفظ وصرفه عن ظاهره إلى معنى مرجوح بلا دليل، إنما هو ذكر لحكم ومقتضى هذه الصفة، وانظر كيف قدم سبحانه وتعالى على ذكر المعية إحاطة علمه بكل شيء، وختم ذلك أيضاً بإحاطة علمه بما يعمل الخلق، فكان قوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:٤] ، ثم قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤] ثم أعقب ذلك بقوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٤] .

ثم انظر أيضاً إلى إثبات علوه سبحانه وتعالى على عرشه، وأن علوه على عرشه لا ينافي المعية، ولذلك ذكر المعية بعد ذكر استوائه على العرش، وذلك أنه جل وعلا ليس كمثله شيء في أي شيء من أموره: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>