للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشْهُورَة عِنْدهم، فَمَا كَانَ صَحِيحا مُوَافقا لقواعد السياسة الملية لَا تغيره، بل تَدْعُو إِلَيْهِ، وتحث عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ سقيما قد دخله التحريف، فَإِنَّهَا تغيره، بِقدر الْحَاجة، وَمَا كَانَ حريا أَن يزْدَاد، فَإِنَّهَا تزيده على مَا كَانَ عِنْدهم، وَكَثِيرًا مَا يسْتَدلّ هَذَا النَّبِي فِي مطالبه بِمَا بَقِي عِنْدهم من الشَّرِيعَة الأولى، فَيُقَال عِنْد ذَلِك هَذَا النَّبِي فِي مِلَّة فلَان النَّبِي أَو من شيعته، وَكَثِيرًا مَا تخْتَلف النبوات لاخْتِلَاف الْملَل النَّازِلَة تِلْكَ النُّبُوَّة فِيهَا.

وَالنَّوْع الثَّانِي بِمَنْزِلَة طَارِئ عَارض، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى وَإِن كَانَ

متعاليا عَن الزَّمَان، فَلهُ ارتباط بِوَجْه من الْوُجُوه بِالزَّمَانِ والزمانيات، وَقد أخبر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الله يقْضِي بعد كل مائَة بحادثة عَظِيمَة من الْحَوَادِث، وَأخْبر آدم وَغَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي حَدِيث الشَّفَاعَة بِشَيْء من هَذَا الْبَاب حَيْثُ قَالَ كل وَاحِد مِنْهُم: " إِن رَبِّي تبَارك وَتَعَالَى قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغضبه قبله مثله، وَلنْ يغْضب بعده مثله " فَإِذا تهَيَّأ الْعَالم لإفاضة الشَّرَائِع وَتَعْيِين الْحُدُود، وتجلى الْحق منزلا عَلَيْهِم الدّين، وامتلأ الْمَلأ الْأَعْلَى بهمة قَوِيَّة حسب ذَلِك يكون حِينَئِذٍ أدنى سَبَب من الْأَسْبَاب الطارئة كَافِيا فِي قرع بَاب الْجُود، وَمن دق بَاب الْكَرِيم انْفَتح، وَلَك عِبْرَة بفصل الرّبيع يُؤثر فِي أدنى شَيْء من الْغَرْس وَالْبذْر مَا لَا يُؤثر فِي غَيره أَضْعَاف ذَلِك، وهمة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشرافه للشَّيْء، ودعوته لَهُ، واشتياقه إِلَيْهِ، وَطَلَبه إِيَّاه سَبَب قوي لنزول الْقَضَاء فِي ذَلِك الْبَاب، وَإِذا كَانَت دَعوته تحيي السّنة الشَّهْبَاء، وتغلب فِئَة عَظِيمَة من النَّاس، وتزيد الطَّعَام وَالشرَاب زِيَادَة محسوسة، فَمَا ظَنك فِي نزُول الحكم الَّذِي هُوَ روح لطيف إِنَّمَا يتَعَيَّن بِوُجُود مثالي، وعَلى هَذَا الأَصْل يَنْبَغِي أَن يخرج أَن حُدُوث حَادِثَة عَظِيمَة فخيمة فِي ذَلِك الزَّمَان يفزع لَهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كقصة الْإِفْك، وسؤال سَائل يُرَاجع النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحاوره فيهم لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقصة الظِّهَار يكون سَببا لنزول الْأَحْكَام، وَأَن يكْشف عَلَيْهِ فِيهَا جلية الْحَال، وَأَن استبطاء الْقَوْم عَن الطَّاعَة وتبلدهم عَن الانقياد، وإخلادهم عَن الْعِصْيَان، وَكَذَا رغبتهم فِي شَيْء، وعضهم عَلَيْهِ بالنواجذ، واعتقادهم التَّفْرِيط فِي جنب الله عِنْد تَركه - يكون سَببا لِأَن يشدد عَلَيْهِم بِالْوُجُوب الأكيد وَالتَّحْرِيم الشَّديد، وَمثل ذَلِك كُله فِي استمطار الْجُود كَمثل الْإِنْسَان الصَّالح قوي الهمة يتوخى سَاعَة انتشار

الروحانية وَقُوَّة السَّعَادَة، فَيسْأَل الله فِيهَا بِجهْد همته، فَلَا تتراخى إجَابَته، وَإِلَى هَذِه الْمعَانِي وَقعت الْإِشَارَة فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى:

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسئلوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ وَإِن تسئلوا عَنْهَا حِين ينزل الْقُرْآن تبد لكم} .

وأصل المرضى أَن يقل هَذَا النَّوْع من أَسبَاب نزُول الشَّرَائِع لِأَنَّهُ يعد لنزول مَا يغلب

<<  <  ج: ص:  >  >>