للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَاب طَبَقَات الْأمة بِاعْتِبَار الْخُرُوج إِلَى الْكَمَال الْمَطْلُوب أَو ضِدّه)

وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْوَاقِعَة: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشئمة مَا أَصْحَاب المشئمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون} . إِلَى آخر السُّورَة.

وَقَوله تَعَالَى: {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير} .

قد علمت أَن أَعلَى مَرَاتِب النُّفُوس هِيَ نفوس المفهمين وَقد ذَكرنَاهَا، وَيَتْلُو المفهمين جمَاعَة تسمى بالسابقين، وهم جِنْسَانِ: جنس أَصْحَاب اصْطِلَاح وعلو كَانَ استعدادهم كاستعداد المفهمين فِي تلقي تِلْكَ الكمالات إِلَّا أَن السَّعَادَة لم تبلغ بهم مبلغهم، فَكَانَ استعدادهم كالنائم يحْتَاج إِلَى من يوقظه، فَلَمَّا أيقظه أَخْبَار الرُّسُل أَقبلُوا على مَا يُنَاسب استعدادهم من تِلْكَ الْعُلُوم مُنَاسبَة

خُفْيَة فِي بَاطِن نُفُوسهم، فصاروا كالمجتهدين فِي الْمَذْهَب، وَصَارَ إلهامهم أَن يتلقوا من الإلهام الْجملِي الْكُلِّي الَّذِي توجه إِلَى نُفُوسهم بِمَا يشملهم من الاستعداد فِي حَظِيرَة الْقُدس، وَهُوَ الْأَمر الْمُشْتَرك فِي أَكْثَرهم، وَترْجم عَنهُ الرُّسُل.

وجنس أَصْحَاب تجاذب وعلو، ساقهم سائق التَّوْفِيق إِلَى رياضات وتوجهات قهرت بهيمتهم، فآتاهم الْحق كمالا علميا، وصاروا على بَصِيرَة من أَمرهم فَكَانَت لَهُم وقائع إلهية وإرشاد وإشراق مثل أكَابِر طرق الصُّوفِيَّة، وَيجمع السَّابِقين أَمْرَانِ: أَحدهمَا أَنهم يستفرغون طاقتهم فِي التَّوَجُّه إِلَى الله والتقرب مِنْهُ، وَثَانِيهمَا أَن جبلتهم قَوِيَّة فتمثل الملكات الْمَطْلُوبَة عِنْدهم على وَجههَا من غير نظر إِلَى أشباح لَهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الأشباح شرحا لتِلْك الملكات وتوسلا بهَا إِلَيْهَا. .، مِنْهُم المفردون المتوجهون إِلَى الْغَيْب طرح الذّكر عَنْهُم أثقالهم ... ، وَالصِّدِّيقُونَ المتميزون عَن سَائِر النَّاس بِشدَّة انقياد الْحق والتجرد لَهُ ... ، وَالشُّهَدَاء الَّذين أخرجُوا للنَّاس، وَحل فيهم صبغ الْمَلأ الْأَعْلَى من لعن الْكَافرين وَالرِّضَا عَن الْمُؤمنِينَ وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وإعلاء الْملَّة بِوَاسِطَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامُوا يُخَاصِمُونَ الْكَفَرَة، وَيشْهدُونَ عَلَيْهِم، وهم بِمَنْزِلَة أَعْضَاء النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعثته بهم ليكمل الْأَمر المُرَاد فِي الْبعْثَة، وَلذَلِك وَجب تَفْضِيلهمْ على غَيرهم وتوقيرهم ... ،

<<  <  ج: ص:  >  >>