للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِن شرا فشر، وَأَن لله تَعَالَى مَلَائِكَة هم مقربو الحضرة

وأكابر المملكة، وَأَنَّهُمْ مدبرون فِي الْعَالم بأذن الله وبأمره، وَأَنَّهُمْ:

{لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون} .

وَأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا ينْكحُونَ، وَأَنَّهُمْ قد يظهرون لأفاضل الْآدَمِيّين، فيبشرونهم، وينذرونهم، وَأَن الله قد يبْعَث إِلَى عباده بفضله ولطفه رجلا مِنْهُم، فليقى وحيه إِلَيْهِ، وَينزل الْملك عَلَيْهِ، وَأَنه يفْرض طَاعَته عَلَيْهِم، فَلَا يَجدونَ مِنْهَا بدا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ دونهَا محيصا، وَقد كثر ذكر الْمَلأ الْأَعْلَى وَحَملَة الْعَرْش فِي أشعار الْجَاهِلِيَّة. ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق أُميَّة ابْن أبي الصَّامِت فِي بَيْتَيْنِ من شعره فَقَالَ:

(رجل وثور تَحت رجل يَمِينه ... والنسر لِلْأُخْرَى وَلَيْث مرصد)

فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق فَقَالَ؛

(وَالشَّمْس تطلع كل آخر لَيْلَة ... حَمْرَاء يصبح لَوْنهَا يتورد)

(تأبى فَمَا تطلع لنا فِي رسلها ... إِلَّا معذبة وَإِلَّا تجلد)

فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق.

وَتَحْقِيق هَذَا أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَزْعمُونَ أَن حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة أَمْلَاك، أحدهم فِي صُورَة الْإِنْسَان، وَهُوَ شَفِيع بني آدم عِنْد الله، وَالثَّانِي فِي صُورَة الثور، وَهُوَ شَفِيع الْبَهَائِم، وَالثَّالِث فِي صُورَة النسْر، وَهُوَ شَفِيع الطُّيُور، وَالرَّابِع فِي صُورَة الْأسد، وَهُوَ شَفِيع السبَاع، فقد ورد الشَّرْع

بقريب من ذَلِك إِلَّا أَنه سماهم جَمِيعهم وعولا، وَذَلِكَ بِحَسب مَا يظْهر فِي عَالم الْمِثَال من صورهم، فَهَذَا كُله كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم مَعَ مَا دخل فِيهِ من قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وخلط المألوف بالأمور العلمية ... ، وَإِن كنت فِي ريب مِمَّا ذكرنَا، فَانْظُر فِيمَا قصّ الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَاحْتج عَلَيْهِم بِمَا عِنْدهم من بَقِيَّة الْعلم، وكشف مَا أدخلوه فِيهِ من الشّبَه والشكوك لَا سِيمَا قَوْله تَعَالَى: لما أَنْكَرُوا نزُول الْقُرْآن

<<  <  ج: ص:  >  >>