للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الحكم بِالْإِسْلَامِ، وَفِي ذَلِك اختلال كثير من الْأَحْكَام كَمَا لَا يخفى، وَلَيْسَ شَيْء كَالْإِقْرَارِ طَوْعًا ورغبة كاشفا عَن حَقِيقَة مَا فِي الْقلب من الِاعْتِقَاد والتصديق.

وَلما ذكرنَا من قبل من أَن مدَار السَّعَادَة النوعية، وملاك النجَاة الأخروية هِيَ الْأَخْلَاق الْأَرْبَعَة، فَجعلت الصَّلَاة المقرونة بِالطَّهَارَةِ سبحا ومظنة لخلقي

الاخبات، والنظافة، وَجعلت الزَّكَاة المقرونة بشروطها المصروفة إِلَى مصارفها مَظَنَّة للسماحة وَالْعَدَالَة.

وَلما ذكرنَا أَنه لَا بُد من طَاعَة قاهرة على النَّفس، ليدفع بهَا الْحجب الطبيعية، وَلَا شَيْء فِي ذَلِك كَالصَّوْمِ.

وَلما ذكرنَا أَيْضا من أَن أصل أصُول الشَّرَائِع هُوَ تَعْظِيم شَعَائِر الله وَهِي أَرْبَعَة، مِنْهَا الْكَعْبَة، وتعظيمها الْحَج - وَقد ذكرنَا فِيمَا سبق من فَوَائِد هَذِه الطَّاعَات مَا يعلم بِهِ أَنَّهَا تَكْفِي عَن غَيرهَا وَأَن غَيرهَا لَا يَكْفِي عَنْهَا.

والآثام بِاعْتِبَار الْملَّة على قسمَيْنِ صغائر وكبائر

والكبائر مَالا يصدر إِلَّا بغاشية عَظِيمَة من الْبَهِيمَة أَو السبعية أَو الشيطنة وَفِيه انسداد سَبِيل الْحق، وهتك حُرْمَة شَعَائِر الله أَو مُخَالفَة الارتفاقات الضرورية، وَالضَّرَر الْعَظِيم بِالنَّاسِ، وَيكون مَعَ ذَلِك منابذا للشَّرْع لِأَن الشَّرْع نهى عَنهُ أَشد نهي، وَغلظ التهديد على فَاعله، وَجعله كَأَنَّهُ خُرُوج من الْملَّة.

والصغائر مَا كَانَ دون ذَلِك من دواعي الشَّرّ ومفضيات إِلَيْهِ، وَقد ظهر نهي الشَّرْع عَنهُ حتما، وَلَكِن لم يغلظ فِيهِ ذَلِك التَّغْلِيظ.

وَالْحق أَن الْكَبَائِر لَيست محصورة فِي عدد، وَأَنَّهَا تعرف بإيعاد النَّار فِي الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة وَشرع الْحَد عَلَيْهِ، وتسميته كَبِيرَة، وَجعله خُرُوجًا عَن الدّين، وَكَون الشَّيْء أَكثر مفْسدَة مِمَّا نَص النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كَونه كَبِيرَة أَو مثلهَا فِي الْمفْسدَة.

وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن " الحَدِيث مَعْنَاهُ أَن هَذِه الْأَفْعَال لَا تصدر إِلَّا بغاشية عَظِيمَة من البهيمية أَو السبعية، فَتَصِير حِينَئِذٍ الملكية كَأَن لم تكن وَالْإِيمَان كَأَنَّهُ زائل - دلّ بذلك على كَونهَا كَبَائِر.

قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يسمع بِهِ أحد من هَذِه الْأمة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثمَّ يَمُوت وَلم يُؤمن بِالَّذِي أرْسلت بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار ". أَقُول: يَعْنِي من بلغته الدعْوَة، ثمَّ أصر على الْكفْر حَتَّى مَاتَ دخل النَّار، لِأَنَّهُ نَاقض تَدْبِير الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَمكن من نَفسه لعنة الله وَالْمَلَائِكَة المقربين، وَأَخْطَأ الطَّرِيق الكاسب للنجاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>