للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصرا بعد عصر، وَلذَلِك سميت بالفطرة وَهَذِه شَعَائِر الْملَّة الحنيفية، وَلَا بُد لكل مِلَّة من شَعَائِر يعْرفُونَ بهَا، ويؤاخذون عَلَيْهَا، ليَكُون طاعتها وعصيانها أمرا محسوسا، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل من الشعائر مَا كثر وجوده، وتكرر وُقُوعه، وَكَانَ ظَاهرا، وَفِيه فَوَائِد جمة تقبله أذهان النَّاس أَشد الْقبُول.

وَالْجُمْلَة فِي ذَلِك أَن بعض الشُّعُور النابتة من جَسَد الْإِنْسَان يفعل فعل الْأَحْدَاث فِي قبض الخاطر، وَكَذَا شعث الرَّأْس واللحية وليرجع الْإِنْسَان فِي ذَلِك إِلَى مَا ذكره الْأَطِبَّاء فِي الشرى والحكة وَغَيرهمَا من الْأَمْرَاض الجلدية أَنَّهَا تحزن الْقلب وَتذهب النشاط.

واللحية هِيَ الفارقة الصَّغِير وَالْكَبِير وَهِي جمال الفحول وَتَمام هيأتهم فَلَا بُد من إعفائها، وقصها سنة الْمَجُوس، وَفِيه تَغْيِير خلق الله، ولحوق أهل السؤدد والكبرياء بالرعاع، وَمن طَالَتْ شواربه تعلق الطَّعَام وَالشرَاب بهَا، وَاجْتمعَ فِيهَا الأوساخ وَهُوَ من سنه الْمَجُوس، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خالفوا الْمُشْركين قصوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى ".

وَفِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق والسواك إِزَالَة المخاط والبخر، والغرلة عُضْو زَائِد يجْتَمع فِيهَا الْوَسخ وَيمْنَع الِاسْتِبْرَاء من الْبَوْل وينقض لَذَّة الْجِمَاع، وَفِي التَّوْرَاة - إِن الْخِتَان ميسم الله على إِبْرَاهِيم وَذريته - مَعْنَاهُ أَن الْمُلُوك جرت عَادَتهم بِأَن يسموا مَا يخصهم من الدَّوَابّ لتتميز من غَيرهَا وَالْعَبِيد الَّذين لَا يُرِيدُونَ إعتاقهم، فَكَذَلِك جعل الْخِتَان ميسما عَلَيْهِم، وَسَائِر الشعائر يُمكن أَن يدخلهَا تَغْيِير وتدليس، والختان لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَغْيِير إِلَّا بِجهْد، وانتقاص المَاء كِنَايَة عَن الِاسْتِنْجَاء بِهِ.

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعَة من سنَن الْمُرْسلين الْحيَاء - ويروى الْخِتَان - والتعطر والسواك وَالنِّكَاح " أَقُول: أرى أَن هَذِه كلهَا من الطَّهَارَة فالحياء ترك الوقاحة وَالْبذَاء وَالْفَوَاحِش، وَهِي تلوث النَّفس، وتكدرها. والتعطر يهيج سرُور النَّفس وانشراحها وينبه على الطَّهَارَة تَنْبِيها قَوِيا، وَالنِّكَاح يطهر الْبَاطِن من التوقان إِلَى النِّسَاء ودوران أَحَادِيث تميل إِلَى قَضَاء هَذِه الشَّهْوَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>