للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَن اشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " أَقُول: مَعْنَاهُ لَوْلَا خوف الْحَرج لجعلت السِّوَاك شرطا

للصَّلَاة كَالْوضُوءِ، وَقد ورد بِهَذَا الأسلوب أَحَادِيث كَثِيرَة جدا وَهِي دَلَائِل وَاضِحَة على أَن لاجتهاد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدخلًا فِي الْحُدُود الشَّرْعِيَّة، وَأَنَّهَا منوطة بالمقاصد، وَأَن رفع الْحَرج من الْأُصُول الَّتِي بنى عَلَيْهَا الشَّرَائِع.

قَول الرَّاوِي فِي صفة تسوكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: أع أع - كَأَنَّهُ يتهوع أَقُول: يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يبلغ بِالسِّوَاكِ أقاصى الْفَم، فَيخرج بلاغم الْحلق والصدر، وَالِاسْتِقْصَاء فِي السِّوَاك يذهب بالقلاع، ويصفى الصَّوْت، ويطيب النكهة.

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، يغسل فِيهِ جسده وَرَأسه " أَقُول: هَذَا يدل على أَن الِاغْتِسَال فِي كل سَبْعَة أَيَّام سنة مُسْتَقلَّة شرعت لدفع الأوساخ والأدران وتنبيه النَّفس لصفة الطَّهَارَة، وَإِنَّمَا وَقت لصَلَاة الْجُمُعَة لِأَن كل وَاحِد فمنهما يكمل بِالْآخرِ، وَفِيه تعظم صَلَاة الْجُمُعَة.

وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغْتَسل من أَربع من الْجَنَابَة وَيَوْم الْجُمُعَة وَمن الْحجامَة وَمن غسل الْمَيِّت.

أَقُول: أما الْحجامَة فَلِأَن الدَّم كثيرا مَا ينتشر على الْجَسَد، ويتعسر غسل كل نقطة على حدتها وَلِأَن المص بالملازم جاذب للدم من كل جَانب، فَلَا يُفِيد نقص الدَّم من الْعُضْو، وَالْغسْل يزِيل السيلان، وَيمْنَع انجذابه.

وَأما غسل الْمَيِّت فَلِأَن الرشاش ينتشر فِي الْبدن، وَجَلَست عِنْد محتضر، فَرَأَيْت أَن الْمَلَائِكَة الموكلة بِقَبض الْأَرْوَاح لَهَا نكاية عَجِيبَة فِي أَرْوَاح الْحَاضِرين ففهمت أَنه لَا بُد من تَغْيِير الْحَالة لتتنبه النَّفس لمخالفها.

أَمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أسلم بِأَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر؛ وَقَالَ لآخر: " ألق عَنْك شعر الْكفْر ".

أَقُول سره أَن يتَمَثَّل عِنْده الْخُرُوج من شَيْء من أصرح مَا يكون، وَالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>