للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطوافين وسعيين ثمَّ يذبح مَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى، فَإِذا أَرَادَ أَن ينفر من مَكَّة طَاف للوداع.

وَأَقُول اعْلَم أَن الْإِحْرَام فِي الْحَج وَالْعمْرَة بِمَنْزِلَة التَّكْبِير فِي الصَّلَاة، فِيهِ تَصْوِير الْإِخْلَاص والتعظيم وَضبط عَزِيمَة الْحَج بِفعل ظَاهر، وَفِيه

جعل النَّفس متذللة خاشعة لله بترك الملاذ والعادات المألوفة وأنواع التجمل، وَفِيه تَحْقِيق معاناة التَّعَب والتشعث والتغبر لله، وَإِنَّمَا شرع أَن يجْتَنب الْمحرم هَذِه الْأَشْيَاء تَحْقِيقا لتذلل وَترك الزِّينَة والتشعث، وتنويها لاستشعار خوف الله وتعظيمه، ومؤاخذة نَفسه أَلا تسترسل فِي هَواهَا، وَإِنَّمَا الصَّيْد تله وَتوسع، وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من اتبع الصَّيْد لَهَا " وَلم يثبت فعله عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كبار أَصْحَابه وَإِن سوغه فِي الْجُمْلَة. وَالْجِمَاع انهماك فِي الشَّهْوَة البهيمية، وَإِذا لم يجز سد هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُخَالف قانون الشَّرْع، فَلَا أقل من أَن ينْهَى فِي بعض الْأَحْوَال كالإحرام وَالِاعْتِكَاف وَالصَّوْم وَبَعض الْمَوَاضِع كالمساجد سُئِلَ مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب؟ " فَقَالَ: لَا تلبسوا القمص وَلَا العمائم وَلَا السراويلات وَلَا البرانس وَلَا الْخفاف " وَقَالَ للأعرابي: " أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله ثَلَاث مَرَّات وَأما الْجُبَّة فانزعها.

الْفرق بَين الْمخيط وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَبَين غير ذَلِك، أَن الأول ارتفاق وتجمل وزينة، وَالثَّانِي ستر عَورَة، وَترك الأول تواضع لله، وَترك الثَّانِي سوء أدب.

قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يحطب "، وروى أَنه تزوج مَيْمُونَة محرما.

أَقُول: اخْتَار أهل الْحجاز من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء أَن السّنة للْمحرمِ أَلا ينْكح، وَاخْتَارَ أهل الْعرَاق أَنه يجوز لَهُ ذَلِك، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ أفضل، وعَلى الأول السِّرّ مِنْهُ أَن النِّكَاح من الارتفاقات الْمَطْلُوبَة أَكثر من الصَّيْد، وَلَا يُقَاس الانشاء على الابقاء لِأَن الْفَرح والطرب إِنَّمَا يكون فِي الِابْتِدَاء، وَلذَلِك يضْرب بالعروس الْمثل فِي هَذَا

الْبَاب دون الْبَقَاء، ثمَّ لَا بُد من ضبط الصَّيْد فَإِن الْإِنْسَان قد يقتل مَا يُرِيد أكله، وَقد يقتل مَا لَا يُرِيد أكله، وَإِنَّمَا يُرِيد التمرن بالاصطياد، وَقد يقتل يُرِيد أَن يدْفع شَره عَنهُ أَو عَن أَبنَاء نَوعه، وَقد يذبح بَهِيمَة الْأَنْعَام فأيها الصَّيْد؟ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خمس لَا جنَاح على من قتلهن فِي الْحرم وَالْإِحْرَام. الْفَأْرَة، والغراب، والحدأة، وَالْعَقْرَب، وَالْكَلب

<<  <  ج: ص:  >  >>