للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَنْبِيه للنَّفس أَي تَنْبِيه.

والسر فِي الْهدى التَّشَبُّه بِفعل سيدنَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا قصد من ذبح وَلَده فِي ذَلِك الْمَكَان طَاعَة لرَبه وتوجها إِلَيْهِ، والتذكر لنعمة الله بِهِ وبأبيهم إِسْمَعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفعل مثل هَذَا الْفِعْل فِي هَذَا الْوَقْت، وَالزَّمَان يُنَبه النَّفس أَي تنبه.

إِنَّمَا وَجب على الْمُتَمَتّع والقارن شكرا لنعمة الله حَيْثُ وضع عَنْهُم إصر الْجَاهِلِيَّة فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة.

والسر فِي الْحلق أَنه تعْيين طَرِيق لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَام بِفعل لَا يُنَافِي الْوَقار، فَلَو تَركهم وأنفسهم لذهب كل مذهبا، وَأَيْضًا فَفِيهِ تَحْقِيق انْقِضَاء التشعث والتغبر بِالْوَجْهِ الأتم، وَمثله كَمثل السَّلَام من الصَّلَاة، وَإِنَّمَا قدم على طواف الْإِفَاضَة ليَكُون شَبِيها بِحَال الدَّاخِل على الْمُلُوك فِي مؤاخذته نَفسه بِإِزَالَة تشعثه وغباره.

وَصفَة الطّواف أَن يَأْتِي الْحجر، فيستلمه، ثمَّ يمشي على يَمِينه سَبْعَة أطوفة يقبل فِيهَا الْحجر الْأسود، أَو يُشِير إِلَيْهِ بِشَيْء فِي يَده كالمحجن، وَيكبر، ويستلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ، وَليكن فِي ذَلِك على طَهَارَة وَستر عَورَة، وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير، ثمَّ يَأْتِي مقَام إِبْرَاهِيم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ، أما الِابْتِدَاء بِالْحجرِ فَلِأَنَّهُ وَجب عِنْد التشريع أَن يعين مَحل الْبدَاءَة وجهة الْمَشْي، وَالْحجر أحسن مَوَاضِع الْبَيْت لِأَنَّهُ نَازل من الْجنَّة، وَالْيَمِين أَيمن الْجِهَتَيْنِ.

وَطواف الْقدوم بِمَنْزِلَة تَحِيَّة الْمَسْجِد، إِنَّمَا شرع تَعْظِيمًا للبيت، وَلِأَن الإبطاء بِالطّوافِ فِي مَكَانَهُ وزمانه عِنْد تهيء أَسبَابه سوء أدب، وَأول طواف بِالْبَيْتِ فِيهِ رمل واضطباع؛ وَبعده سعى بَين الصَّفَا والمروة؛ وَذَلِكَ لمعان: مِنْهَا مَا ذكره ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا من إخافة قُلُوب الْمُشْركين.

وَإِظْهَار صولة الْمُسلمين، وَكَانَ أهل مَكَّة يَقُولُونَ: وهنتهم حمى يثرب، فَهُوَ فعل من أَفعَال الْجِهَاد، وَهَذَا السَّبَب قد انْقَضى وَمضى، وَمِنْهَا تَصْوِير الرَّغْبَة فِي طَاعَة الله، وَأَنه لم يزده السّفر الشاسع والتعب الْعَظِيم إِلَّا شوقا ورغبة كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(إِذا اشتكت من كلال السّير واعدها ... روح الْوِصَال فتحيا عِنْد ميعاد)

وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ أَن يتْرك الرمل والاضطباع لانقضاء سببهما، ثمَّ تفطن

<<  <  ج: ص:  >  >>