للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُول ذَلِك لِأَن النَّاس إِذا تضرعوا إِلَى الله بأجمعهم لم يتراخ نزُول الرَّحْمَة عَلَيْهِم وانتشار الروحانية فيهم.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خير الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ " الخ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَامع لأكْثر أَنْوَاع الذّكر، وَلذَلِك رغب فِيهِ. وَفِي سُبْحَانَ الله. وَالْحَمْد لله الخ فِي مَوَاطِن كَثِيرَة وأوقات كَثِيرَة كَمَا يَأْتِي فِي الدَّعْوَات.

وَمن السّنة أَن يهدى وَإِن لم يَأْتِ الْحَج إِقَامَة لاعلاء كلمة الله بِقدر الامكان، وَإِنَّمَا دَعَا للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين مرّة إبانة لفضل الْحلق، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْمُنَاسب لزوَال الشعث الْأَقْرَب لهيئة الداخلين على الْمُلُوك وَأدنى أَن يبْقى أثر الطَّاعَة وَيرى مِنْهُ ذَلِك ليَكُون أنوه بِطَاعَة الله، وَنهى أَن تحلق الْمَرْأَة رَأسهَا لِأَنَّهَا مثلَة وتشبه بِالرِّجَالِ، وَأفْتى فِيمَن حلق قبل أَن يذبح أَو نحر قبل أَن يَرْمِي، أَو رمى بعد مَا أَمْسَى، أَو أَفَاضَ قبل الْحلق أَنه لَا حرج وَلم يَأْمر بكفاره، وَالسُّكُوت عِنْد الْحَاجة بَيَان، وليت شعرى هَل فِي بَيَان الِاسْتِحْبَاب صِيغَة أصرح من لَا حرج، وَلَا يتم التشريع إِلَّا بِبَيَان المرخص فِي وَقت الشدائد فَمِنْهَا أَذَى لَا يَسْتَطِيع مَعَه الاجتناب عَمَّا حرم عَلَيْهِ فِي الاحرام وَفِيه قَوْله تَعَالَى:

{فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} .

وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكعب بن عجْرَة: " فَاحْلِقْ رَأسك وَأطْعم

فرقا " الخ وَقد بَينا أَن أحسن انواع الرُّخص مَا يَجْعَل مَعَه شَيْء يذكر لَهُ الأَصْل، ويثلج صدر الْمجمع على عَزِيمَة الأَصْل عِنْد تَركه، وَحمل الافراط فِي وجوب الْكَفَّارَة على ذَلِك بِالطَّرِيقِ الأولى، وَمِنْهَا الاحصار، وَقد سنّ فِيهِ حِين حَال كفار قُرَيْش دون الْبَيْت، فَنحر هَدَايَا، وَحلق، وَخرج من الْإِحْرَام، والسر فِي حرم مَكَّة وَالْمَدينَة أَن لكل شَيْء تَعْظِيمًا وتعظيم الْبِقَاع أَلا يتَعَرَّض لما فِيهَا بِسوء، وَأَصله مَأْخُوذ من حمى الْمُلُوك وحلة بِلَادهمْ، فانه كَانَ انقياد الْقَوْم لَهُم وتعظيمهم إيَّاهُم مساوقا لمؤاخذة أنفسهم أَلا يتَعَرَّضُوا لما فِيهَا من الشّجر وَالدَّوَاب، وَفِي الحَدِيث " إِن لكل ملك حمى وَإِن حمى الله مَحَارمه " فاشتهر ذَلِك بَينهم وركز فِي صميم قُلُوبهم وسويداء أفئدتهم، وَمن أدب الْحرم أَن يتَأَكَّد وجوب مَا يجب فِي غَيره من إِقَامَة الْعدْل وَتَحْرِيم مَا يحرم فِيهِ، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احتكار الطَّعَام فِي الْحرم إلحاد فِيهِ "

قَوْله تَعَالَى:

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} . الْآيَة

أَقُول: لما كَانَ الصَّيْد فِي الْحرم والاحرام، وَالْجِمَاع فِي الاحرام إفراطا ناشئا من

<<  <  ج: ص:  >  >>