للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل الْعِبَادَة انْتِظَار الْفرج " أَقُول وَذَلِكَ لِأَن الهمة الحثيثة فِي استنزال الرَّحْمَة أَشد مِمَّا تُؤثر الْعِبَادَة.

وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: " مَا من أحد يدعوا بِدُعَاء إِلَّا أَتَاهُ الله تَعَالَى مَا سَأَلَ، أَو كف عَنهُ شَرّ السوء مثله " أَقُول: ظُهُور الشَّيْء عَالم الْمِثَال إِلَى الأَرْض لَهُ سنَن طبيعي يجْرِي ذَلِك المجرى إِن لم يكن مَانع من خَارج، وَله سنَن غير طبيعي إِن وجد مزاحمة فِي الْأَسْبَاب، فَمن غير الطبيعي أَن تَنْصَرِف الرَّحْمَة إِلَى كف السوء أَو إِلَى إناس وحشتهم وإلهام بهجة قلبه، أَو ميل الْحَادِثَة من بدنه إِلَى مَاله وأمثال ذَلِك.

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِذا دَعَا أحدكُم فَلَا يقل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي إِن شِئْت، وارحمني إِن شِئْت، وارزقني إِن شِئْت، وليعزم الْمَسْأَلَة إِنَّه يفعل مَا يَشَاء، وَلَا مكره لَهُ " أَقُول: روح الدُّعَاء وسره رَغْبَة النَّفس فِي الشَّيْء مَعَ تلبسها بتشبهة الْمَلَائِكَة وتطلع الجبروت، والطلب بِالشَّكِّ يشتت الْعَزِيمَة ويفتر الهمة، أما الْمُوَافقَة بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلية فحاصل لِأَن سَببا من الْأَسْبَاب لَا يصد الله عَن رعايتها، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِنَّه يفعل مَا يَشَأْ وَلَا مكره لَهُ ".

وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء " أَقُول: الْقَضَاء هَهُنَا الصُّورَة المخلوقة فِي عَالم الْمِثَال الَّتِي هِيَ سَبَب وجود الْحَادِثَة فِي الْكَوْن وَهُوَ بِمَنْزِلَة سَائِر الْمَخْلُوقَات يقبل المحو وَالْإِثْبَات.

قَالَ عَلَيْهِ الصلاو وَالسَّلَام إِن هما: " أَن الدُّعَاء ينفع بِمَا نزل وَمِمَّا لم ينزل ". أَقُول: الدُّعَاء إِذا عالج مَا لم ينزل اضمحل، وَلم ينْعَقد سَببا لوُجُود الْحَادِثَة فِي الأَرْض، وَإِن عالج النَّازِل ظَهرت رَحْمَة الله هُنَاكَ فِي صُورَة تخفف موجدته وإيناس وحشته.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" من سره أَن يستجيب الله لَهُ عِنْد الشدائد فليكثر الدُّعَاء فِي الرخَاء ". أَقُول: وَذَلِكَ أَن الدُّعَاء لَا يُسْتَجَاب إِلَّا مِمَّن قويت رغبته، وتأكدت عزيمته، وتمرن بذلك قبل أَن يُحِيط بِهِ مَا أحَاط، وَأما رفع الْيَدَيْنِ وَمسح الْوَجْه بهما فتصوير للرغبة، ومظاهرة بَين الْهَيْئَة النفسانية وَمَا يُنَاسِبهَا من الْهَيْئَة الْبَدَنِيَّة وتنبيه للنَّفس على تِلْكَ الْحَال.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

من فتح لَهُ بَاب من الدُّعَاء فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة ". أَقُول: من علم كَيفَ يَدْعُو من برغبة ناشئة من صميم قلبه، وَعلم فِي أَي الصُّورَة تظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>