للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَم أَن كثيرا من الْأَشْيَاء المتحققة فِي الْخَارِج تكون بِمَنْزِلَة الرُّؤْيَا فِي تشبح الْمعَانِي بأجسام مُنَاسبَة لَهَا كَمَا ظَهرت الْمَلَائِكَة لداود عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَة خصمين وَرفعت إِلَيْهِ الْقَضِيَّة، فَعرف أَنه تشبح لما فرط مِنْهُ فِي امْرَأَة أوريا فَاسْتَغْفر وأناب. وكما كَانَ عرض قدمي الْخمر وَاللَّبن عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختياره اللَّبن تشبحا لعرض الْفطْرَة والشهوات على أمته وَاخْتِيَار الرَّاشِدين مِنْهُم الْفطْرَة، وكما كَانَ جُلُوس النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأبي بكر وَعمر مُجْتَمعين على قف الْبِئْر، وجلوس عُثْمَان مُنْفَردا مِنْهُم تشبحا لما قدر الله تَعَالَى من حَال قُبُورهم ومدافنهم على مَا أَوله سعيد بن الْمسيب وناهيك بِهِ ... ، وَأكْثر الوقائع الحشرية من هَذَا الْقَبِيل.

وَاعْلَم أَن تعلق النَّفس الناطقة بالنسمة أكيد شَدِيد فِي حق أَكثر النَّاس وَإِنَّمَا مثلهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُلُوم الْبَعِيدَة من مألوفها كَمثل الأكمة لَا يتخيل الألوان والأضواء أصلا وَلَا مطمع لَهَا فِي حُصُول ذَلِك إِلَّا بعد أحقاب كَثِيرَة ومدد متطاولة فِي ضمن تشبحات وتمثلات.

والنفوس أول مَا تبْعَث تجازى بِالْحِسَابِ الْيَسِير أَو العسير أَو بالمرور على الصِّرَاط ناجيا ومخدوشا أَو بِأَن يتبع كل أحد متبوعه فينجو، أَو يهْلك أَو تنطق الْأَيْدِي والأرجل وَقِرَاءَة الصُّحُف أَو بِظُهُور مَا يخل بِهِ، وَحمله على ظَهره أَو الكي بِهِ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فتشبحات وتمثلات لما عِنْدهَا بِمَا تعطيه أَحْكَام

الصُّورَة النوعية، وَأَيّمَا رجل كَانَ أوثق نفسا، وأوسع نسمَة، فالتشبحات الحشرية فِي حَقه أتم وأوفر، وَلذَلِك أخبر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن أَكثر عَذَاب أمته فِي قُبُورهم، وهنالك أُمُور متمثلة تتساوى النُّفُوس فِي مشاهدتها كالهداية المبسوطة ببعثة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>