للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَمر تعين التَّوَارُث بِمَعْنى الْقيام مقَام الْمَيِّت والنصرة لَهُ، وَذَلِكَ قوم الْمَيِّت وَأهل نسبه وشرفه الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم ". أَقُول: إِنَّمَا شرع ذَلِك ليَكُون طَرِيقا إِلَى قطع الْمُوَاسَاة بَينهمَا، فان اخْتِلَاط الْمُسلم بالكافر يفْسد عَلَيْهِ دينه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي حكم النِّكَاح:

{أُولَئِكَ يدعونَ إِلَى النَّار}

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" الْقَاتِل لَا يَرث " أَقُول إِنَّمَا شرع ذَلِك لِأَن من الْحَوَادِث الْكَثِيرَة الْوُقُوع أَن يقتل الْوَارِث مُوَرِثه، ليحرز مَاله لَا سِيمَا فِي أَبنَاء الْعم وَنَحْوهم، فَيجب أَن تكون السّنة بَينهم تأييس من فعل ذَلِك عَمَّا أَرَادَهُ، لتقطع عَنْهُم تِلْكَ الْمفْسدَة، وَجَرت السّنة أَلا برث العَبْد، وَلَا يُورث، وَذَلِكَ لِأَن مَاله لسَيِّده وَالسَّيِّد أَجْنَبِي.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِن أَعْيَان بني الْأُم يتوارثون دون بني العلات " أَقُول وَذَلِكَ لما ذكرنَا من أَن الْقيام مقَام الْمَيِّت مبناه على الِاخْتِصَاص وحجب الْأَقْرَب والأبعد بالحرمان، وأجمعت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي زوج وأبوين وَامْرَأَة وأبوين أَن للْأُم ثلث الْبَاقِي، وَقد بَين ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ ذَلِك. بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ حَدِيث قَالَ: مَا كَانَ الله ليريني أَن أفضل أما على

أَب، وَقضى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بنت وَابْنَة ابْن وَأُخْت لأَب وَأم للابنة النّصْف ولابنة الابْن السُّدس وَمَا بَقِي فللاخت.

أَقُول: وَذَلِكَ لِأَن الْأَبْعَد لَا يزاحم الْأَقْرَب فِيمَا يجوزه، فَمَا بَقِي فان الْأَبْعَد أَحَق بِهِ حَتَّى يسْتَوْفى مَا جعل الله لذَلِك النّصْف، فالابنة تَأْخُذ النّصْف كملا وَابْنَة الابْن فِي حكم الْبَنَات، فَلم تزاحم الْبِنْت الْحَقِيقِيَّة، واستوفت مَا بَقِي من نصيب الْبَنَات، ثمَّ كَانَت الْأُخْت عصبَة لِأَن فِيهَا معنى من الْقيام مقَام الْبِنْت وَهِي من أهل شرفه.

وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِي زوج وَأم، وأخوة لأَب وَأم، وأخوة لأم: لم يزدهم الْأَب إِلَّا قربا، وتابع عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود، وَزيد، وَشُرَيْح، رَضِي الله عَنْهُم، وخلائق، وَهَذَا القَوْل أوفق الْأَقْوَال بقوانين الشَّرْع، وَقضى للجدة بالسدس إِقَامَة لَهَا مقَام الْأُم عِنْد عدمهَا. وَكَانَ أَبُو بكر، وَعُثْمَان، وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم يجْعَلُونَ الْجد ابا، وَهُوَ أولى الْأَقْوَال عِنْدِي.

وَأما الْوَلَاء فالسر فِيهِ النُّصْرَة وحماية الْبَيْضَة، فالأحق بهَا مولى النِّعْمَة، ثمَّ بعده الذُّكُور من قومه الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، وَالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>