للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصنف على مَا تَقْتَضِيه فطرته وَكَانَ تَغْيِير الْخلق سَببا للعن، وَلذَلِك كره النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنزاء الْحمير لتَحْصِيل البغال.

فَمن الزِّينَة مَا يكون كالتقوية لفعل الطبيعة والتوطئة لَهُ والتمشية إِيَّاه كالكحل والترجل وَهُوَ مَحْبُوب، وَمِنْهَا مَا يكون كالمباين لفعلها كاختيار الْإِنْسَان هَيْئَة الدَّوَابّ وَمَا يكون تعمقا فِي إبداع مَا لَا تَقْتَضِيه الطبيعة، وَهُوَ غير مَحْبُوب إِذا خلى الانسان وفطرته عدَّة مثله.

وَمِنْهَا صناعَة التصاوير فِي الثِّيَاب والجدران وَالْأَنْمَاط، فَنهى عَنْهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومدار النَّهْي شيآن: أَحدهمَا أَنَّهَا أحد وُجُوه الإرفاه والزينة فانهم كَانُوا يتفاخرون بهَا ويبذلون أَمْوَالًا خطيرة فِيهَا فَكَانَت كالحرير وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي صُورَة الشّجر وَغَيرهَا.

وَثَانِيهمَا أَن المخامرة بالصور واتخاذها وجريان الرَّسْم بالرغبة فِيهَا يفتح بَاب عبَادَة الْأَصْنَام وينوه أمرهَا ويذكرها لأَهْلهَا، وَمَا نشأت عبَادَة الْأَصْنَام فِي أَكثر الطوائف إِلَّا من هَذِه، وَهَذَا الْمَعْنى يخْتَص بِصُورَة الْحَيَوَان وَلذَلِك أَمر بِقطع راس التماثيل لتصير كَهَيئَةِ الشّجر، وخف فَسَاد صناعَة صور الْأَشْجَار، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الصُّور لَا تدخله الْمَلَائِكَة " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مُصَور فِي النَّار يَجْعَل لَهُ بِكُل صُورَة صورها نفسا يعذبه فِي جَهَنَّم " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" من صور صُورَة عذب وكلف أَن ينْفخ فِيهَا وَلَيْسَ بنافخ ".

أَقُول: لما كَانَت التصاوير فِيهَا معنى الْأَصْنَام وَقد تحقق فِي الْمَلأ الْأَعْلَى دَاعِيَة غضب وَلعن على الْأَصْنَام وعبدتها وَجب أَن يتنفر مِنْهَا الْمَلَائِكَة، وَإِذا حشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بأعمالهم تمثل عمل المصور بالنفوس الَّتِي تصورها فِي نَفسه وَأَرَادَ محاكاتها فِي عمله لِأَنَّهَا أقرب مَا هُنَالك وَظهر إقدامه على المحاكاة، وسعيه أَن يبلغ فِيهَا غَايَة المدى فِي صُورَة التَّكْلِيف بِأَن ينْفخ فِيهَا الرّوح وَلَيْسَ بنافخ.

وَمِنْهَا الِاشْتِغَال بالمسليات وَهِي مَا يسلي النَّفس عَن هم آخرته ودنياه ويضيع الْأَوْقَات كالمعازف وَالشطْرَنْج واللعب بالحمام واللعب بتحريش الْبَهَائِم وَنَحْوهَا؛ فان الانسان إِذا اشْتغل بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لَهَا عَن طَعَامه وَشَرَابه وَحَاجته، وَرُبمَا كَانَ حاقنا لَا يقوم للبول فان جرى الرَّسْم بالاشتغال بهَا صَار النَّاس كلا على الْمَدِينَة، وَلم يتوجهوا إِلَى إصْلَاح نُفُوسهم.

وَاعْلَم أَن الْغناء والدف فِي الْوَلِيمَة وَنَحْوهَا عَادَة الْعَرَب والعجم وديدنهم،

وَذَلِكَ لما يَقْتَضِيهِ الْحَال من الْفَرح وَالسُّرُور فَلَيْسَ ذَلِك من المسليات إِنَّمَا ميزَان المسليات مَا كَانَ فِي زَمَانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحجاز وَفِي الْقرى العامرة، لَا مَكَان الِاشْتِغَال بِهِ زَائِدا على الْفَرح وَالسُّرُور المطلوبين كالمزامير.

<<  <  ج: ص:  >  >>