للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافرين بالانهزام كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:

{سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} .

وَقَالَ الله تَعَالَى:

{جند مَا هُنَالك مهزوم من الْأَحْزَاب} .

ثمَّ ازدادوا فِي التعصب فتقاسموا على إِيذَاء الْمُسلمين وَمن وليهم من بني هَاشم وَبني الْمطلب فهدوا إِلَى الْهِجْرَة قبل الْحَبَشَة فوجدوا سَعَة قبل السعَة الْكُبْرَى.

وَلما مَاتَت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَمَات أَبُو طَالب عَمه وَتَفَرَّقَتْ كلمة بني هَاشم فزع لذَلِك وَكَانَ قد نفث فِي صَدره أَن علو كَلمته فِي الْهِجْرَة نفثا

إجماليا فَتَلقاهُ برويته وفكره فَذهب وهله إِلَى الطَّائِف. وَإِلَى هجر. وَإِلَى الْيَمَامَة. وَإِلَى كل مَذْهَب، فاستعجل وَذهب إِلَى الطَّائِف فلقي عناء شَدِيدا، ثمَّ إِلَى بني كنَانَة فَلم ير مِنْهُم مَا يسره فَعَاد إِلَى مَكَّة بِعَهْد زَمعَة وَنزل

{وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} .

قَالَ: أمْنِيته أَن يتَمَنَّى إنجاز الْوَعْد فِيمَا يتفكره من قبل نَفسه وإلقاء الشَّيْطَان أَن يكون خلاف مَا أَرَادَ الله ونسخه كشف حَقِيقَة الْحَال وإزالته من قلبه.

وَأسرى بِهِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى، ثمَّ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَإِلَى مَا شَاءَ الله،

وكل ذَلِك لجسده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَقَظَة وَلَكِن ذَلِك فِي موطن هُوَ برزخ بَين الْمِثَال وَالشَّهَادَة جَامع لأحكامهما فَظهر على الْجَسَد أَحْكَام الرّوح وتمثل الرّوح والمعاني الروحية أجسادا، وَلذَلِك بَان لكل وَاقعَة من تِلْكَ الوقائع تَعْبِير، وَقد ظهر لحزقيل. ومُوسَى. وَغَيرهمَا عَلَيْهِمَا السَّلَام نَحْو من تِلْكَ الوقائع وَكَذَلِكَ لأولياء الْأمة ليَكُون علو درجاتهم عِنْد الله كحالهم فِي الرُّؤْيَا وَالله أعلم.

أما شقّ الصَّدْر وملؤه إِيمَانًا فحقيقته غَلَبَة أنوار الملكية وانطفاء لَهب الطبيعة وخضوعها لما يفِيض عَلَيْهَا من حَظِيرَة الْقُدس.

وَأما ركُوبه على الْبراق فحقيقته اسْتِوَاء نَفسه النطقية على نسمته الَّتِي هِيَ الْكَمَال الحيواني فَاسْتَوَى رَاكِبًا على الْبراق كَمَا غلبت أَحْكَام نَفسه النطقية على البهيمية وتسلطت عَلَيْهَا.

وَأما إسراؤه إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَلِأَنَّهُ مَحل ظُهُور شَعَائِر الله ومتعلق همم الْمَلأ الْأَعْلَى ومطمح أنظار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَكَأَنَّهُ كوَّة إِلَى الملكوت.

وَأما ملاقاته مَعَ الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ومفاخرته مَعَهم فحقيقتها اجْتِمَاعهم من حَيْثُ ارتباطهم بحظيرة الْقُدس وَظُهُور مَا اخْتصَّ بِهِ من بَينهم من وُجُوه الْكَمَال.

<<  <  ج: ص:  >  >>