للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبهذين التدبيرين تنْدَفع غوائل الرَّسْم، وَتصير مؤيدة لعبادة الله تَعَالَى، وَتصير السّنة تَدْعُو إِلَى الْحق. وَسُوء الْمعرفَة بكلا قسميه ينشأ من سببين: أَحدهمَا لَا يَسْتَطِيع أَن يعرف ربه حق مَعْرفَته، لتعاليه عَن صِفَات الْبشر جدا وتنزهه عَن سمة المحدثات والمحسوسات وتدبيره أَلا يخاطبوا إِلَّا بِمَا تسعه أذهانهم.

وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَنه مَا من مَوْجُود، أَو مَعْدُوم متحيز، أَو مُجَرّد إِلَّا يتَعَلَّق علم الْإِنْسَان بِهِ، إِمَّا بِحُضُور صورته، أَو بِنَحْوِ التَّشْبِيه والمقايسة حَتَّى الْعَدَم الْمُطلق والمجهول الْمُطلق، فَيعلم الْعَدَم من جِهَة معرفَة الْوُجُود وملاحظة عدم الاتصاف بِهِ، وَيعلم مَفْهُوم الْمُشْتَقّ على صِيغَة الْمَفْعُول، وَيعلم مَفْهُوم الْمُطلق، فَيجمع هَذِه الْأَشْيَاء، وَيضم بَعْضهَا إِلَى بعض، فينتظم صُورَة تركيبية هِيَ مكشاف الْبَسِيط الْمَقْصُود تصَوره الَّذِي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج وَلَا فِي الأذهان، كَمَا أَنه رُبمَا يتَوَجَّه إِلَى مَفْهُوم نَظَرِي، فيعمد إِلَى مَا يحسبه جِنْسا وَإِلَى مَا يحسبه فصلا، فيركبهما فَيحصل صُورَة مركبة هِيَ مكشاف الْمَطْلُوب تصَوره، فيخاط وَا مثلا بِأَن الله تَعَالَى مَوْجُود، لَا كوجودنا، وَبِأَنَّهُ حَيّ، لَا كحياتنا، وَبِالْجُمْلَةِ فيعمد إِلَى صِفَات هِيَ مورد الْمَدْح فِي الشَّاهِد،

ويلاحظ ثَلَاثَة مفاهيم فِيمَا نشاهد، شَيْء فِيهِ هَذِه الصِّفَات، وَقد صدرت من آثارها، وَشَيْء لَيست فِيهِ وَلَيْسَت من شَأْنه، وَشَيْء لَيست فِيهِ وَمن شَأْنه أَن تكون فِيهِ كالحي والجماد وَالْمَيِّت، فَيثبت هَذِه بِثُبُوت آثارها، وَيجْبر هَذِه التَّشْبِيه بِأَنَّهُ لَيْسَ كمثلنا.

وَالثَّانِي تمثل الصُّورَة المحسوسة بزينتها وَاللَّذَّات بجمالها وامتلاء القوى العلمية بالصور الحسية، فينقاد قلبه لذَلِك، وَلَا يصفو التَّوَجُّه إِلَى الْحق وتدبير هَذِه رياضات وأعمال يستعد بهَا الْإِنْسَان للتجليات الشامخة، وَلَو فِي الْمعَاد واعتكافات وَإِزَالَة للشاغل بِقدر الْإِمْكَان، كَمَا هتك رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرام المصور وَنزع خميصه فِيهَا أَعْلَام وَالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>