للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكفر بالطاغوت واجب على جميع العباد]

قال رحمه الله تعالى: [وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ) .

وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ، ورءوسهم خَمْسَةٌ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ، وَمَنْ عُبِد وَهُوَ راضٍ، وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٥٦] ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى (لا اله إِلا اللهُ) ، وَفِي الْحَدِيثِ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامِ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) .

وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى الله على محمد وآله وصحبه وسلم] .

هذا هو المقطع الأخير من هذه الرسالة المباركة -ثلاثة الأصول- للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة.

قال رحمه الله: [وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ والإيمان بالله] قولهم: [افترض] أي: أوجب سبحانه وتعالى، [على جميع العباد] العباد هنا يندرج تحتها كل عباد الله عز وجل ممن وجه إليه الخطاب وكلف من الجن والإنس، افترض الله عز وجل على جميع عباده الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.

وبدأ المؤلف رحمه الله بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله؛ لأن الله سبحانه وتعالى بدأ بهما في قوله جل وعلا: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:٢٥٦] ، فابتدأ بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله؛ لأن الكفر بالطاغوت هو تخلية القلب وتصفيته وتخليصه من كل شر، ويعقب ذلك التحلية بالإيمان بالله عز وجل، فلا يستقيم الإيمان بالله عز وجل إلا إذا صفا القلب وخلص من كل شائبة شرك وكفر، فإذا خُلّص ونُقّي فعند ذلك تفرغت طاقته وتوافرت همته على الإيمان بالله، وذلك أن القلب إذا شغل بغير الله عز وجل انشغل عنه، وهذا معنى ينبغي التنبه له، فإن من ملأ قلبه بهمِّ الدنيا شغله ذلك عن هم الآخرة، ومن ملأ قلبه بهمِّ الآخرة اشتغل بها عن غيرها، وأصبحت هي التي بين عينيه، وهي التي تقيمه وتقعده، فيجب على المؤمن أن يحرص على هذين المعنيين: الكفر بالطاغوت، وهو تخلية القلب من كل شائبة شرك دقيق أو جليل، ثم الإيمان بالله، وهو أن يعمر قلبه بكل ما يزينه ويجمله ويحقق عبوديته لله عز وجل، ويحقق فيه وصفي السلامة والإنابة، فالسلامة والإنابة عليهما علق الله عز وجل النجاة يوم القيامة، فمن جاء بقلب سليم ومن جاء بقلب منيب فقد حصل له فوز الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>